الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فاصْبِرُوا؛ عَطَفَ عَلَيْهِ؛ إفْرادًا لَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِالأمْرِ؛ إجْلالًا لَهُ؛ وتَسْلِيَةً فِيما كانَ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ؛ مِنَ التَّمْثِيلِ بِعَمِّهِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وتَنْوِيهًا بِعِظَمِ مَقامِ الصَّبْرِ؛ زِيادَةً في حَثِّ الأُمَّةِ؛ لِأنَّ أمْرَ الرَّئِيسِ أدْعى لِامْتِثالِ أتْباعِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿واصْبِرْ﴾؛ ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِما يَحُثُّ عَلى دَوامِ الِالتِجاءِ إلَيْهِ؛ المُنْتِجِ لِلْمُراقَبَةِ؛ والفَناءِ عَنِ الأغْيارِ؛ ثُمَّ الفَناءِ عَنِ الفَناءِ؛ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ لِأحَدٍ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وما صَبْرُكَ﴾؛ أيْ: أيُّها الرَّسُولُ (p-٢٨٣)الأعْظَمُ؛ ﴿إلا بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ الَّذِي شَرَعَ لَكَ هَذا الشَّرْعَ الأقْوَمَ؛ وأنْتَ قائِمٌ في نَصْرِهِ؛ ولَقَدْ قابَلَ هَذا الأمْرَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِأعْلى مَقاماتِ الصَّبْرِ؛ وذَلِكَ أنَّهم مَثَّلُوا بِقَتْلى المُسْلِمِينَ في غَزْوَةِ ”أُحُدٍ“؛ إلّا حَنْظَلَةَ الغَسِيلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَإنَّ أباهُ كانَ مَعَهُمْ؛ فَتَرَكُوهُ لَهُ؛ «فَلَمّا وقَفَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - عَلى عَمِّهِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَجَدَهم قَدْ جَدَعُوا أنْفَهُ؛ وقَطَعُوا أُذُنَيْهِ؛ وجَبُّوا مَذاكِيرَهُ؛ وبَقَرُوا بَطْنَهُ؛ نَظَرَ إلى شَيْءٍ لَمْ يَنْظُرْ قَطُّ إلى أوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنهُ؛ فَقالَ: ”رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ فَإنَّكَ كُنْتَ فَعّالًا لِلْخَيْرِ؛ وصُولًا لِلرَّحِمِ؛ ولَوْلا أنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ لَسَرَّنِي أنْ أدَعَكَ حَتّى تُحْشَرَ مِن أجْوافٍ شَتّى؛ أما واللَّهِ؛ لَئِنْ أظْفَرَنِي اللَّهُ بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنهُمْ“؛» وقالَ الصَّحابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -: لَنَزِيدَنَّ عَلى صَنِيعِهِمْ؛ فَلَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ بادَرَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - الِامْتِثالَ؛ وكانَ لا يَخْطُبُ خُطْبَةً إلّا نَهى عَنِ المُثْلَةِ؛ وأحْسَنَ يَوْمَ الفَتْحِ بِأنْ نَهى عَنْ قِتالِهِمْ؛ بَعْدَ أنْ صارُوا في قَبْضَتِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا. (p-٢٨٤)ولَمّا كانَ - بَعْدَ تَوْطِينِ النَّفْسِ عَلى الصَّبْرِ؛ وتَفْرِيغِ القَلْبِ مِنَ الإحْنَةِ - يُرْجَعُ إلى الأسَفِ عَلى إهْلاكِهِمْ أنْفُسِهِمْ بِتَمادِيهِمْ عَلى العُتُوِّ عَلى اللَّهِ (تَعالى)؛ قالَ - سُبْحانَهُ -: ﴿ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أيْ: في شِدَّةِ كُفْرِهِمْ؛ فَتُبالِغْ في الحِرْصِ الباخِعِ لِلنَّفْسِ. ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ - في مَقامِ التَّبْشِيرِ؛ بِالمَحَلِّ الكَبِيرِ؛ والمَوْطِنِ الخَطِيرِ؛ الَّذِي ما حازَهُ قَبْلَ نَبِيِّنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بَشِيرٌ ولا نَذِيرٌ؛ وذَلِكَ هو الإسْراءُ إلى المَلَكُوتِ الأعْلى؛ والمَقامِ الأسْمى مِنَ السَّماواتِ العُلا؛ في حَضَراتِ القُدْسِ؛ ومَحالِّ الأُنْسِ؛ ووَطَّأ لِذَلِكَ في سُورَةِ النِّعَمِ؛ بِمَقاماتِ الكَرَمِ؛ إلى أنْ قارَبَ الوُصُولُ إلَيْهِ؛ أوْجَزَ في العِبارَةِ بِحَذْفِ حَرْفٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ دَلالَةً عَلَيْهِ؛ فَقالَ: ﴿ولا تَكُ﴾؛ بِحَذْفِ النُّونِ؛ إشارَةً إلى ضِيقِ الحالَةِ عَنْ أدْنى إطالَةٍ: ؎وأبْرَحُ ما يَكُونُ الشَّوْقُ يَوْمًا ∗∗∗ إذا دَنَتِ الدِّيارُ مِنَ الدِّيارِ وهَذا بِخِلافِ ما يَأْتِي في سُورَةِ ”النَّمْلِ“؛ إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى)؛ ﴿فِي ضَيْقٍ﴾؛ ولَوْ قَلَّ - كَما لَوَّحَ إلَيْهِ تَنْوِينُ التَّحْقِيرِ؛ بِما يُشِيرُ إلَيْهِ حَذْفُ النُّونِ؛ فَإنَّ أذى الكُفّارِ؛ الَّذِي السِّياقُ لِلتَّسْلِيَةِ عَنْهُ؛ لا يَضُرُّكَ في المَقْصُودِ الَّذِي بُعِثْتَ لِأجْلِهِ؛ وهو إظْهارُ الدِّينِ؛ وقَمْعُ المُفْسِدِينَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ ﴿مِمّا يَمْكُرُونَ﴾؛ أيْ: مِنَ اسْتِمْرارِ مَكْرِهِمْ بِكَ؛ ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى (p-٢٨٥)يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩]؛ وكَأنَّكَ بِهِ؛ وقَدْ أتى؛ فاصْبِرْ؛ فَإنَّ اللَّهَ (تَعالى) مُعِزُّكَ؛ ومُظْهِرٌ دِينَكَ؛ وإنْ كَرِهُوا؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب