الباحث القرآني

ولَمّا دَعا - سُبْحانَهُ - فِيها إلى مَعالِي الشِّيَمِ؛ وعَدَمِ الِاعْتِراضِ؛ وخَتَمَ بِالأمْرِ بِالمِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ الَّتِي هي سُهُولَةُ الِانْقِيادِ لِلدَّلِيلِ؛ وعَدَمُ الكَوْنِ مَعَ الجامِدِينَ؛ اقْتِداءً بِالأبِ (p-٢٧٦)الأعْظَمِ؛ وكانَ الخِلافُ والعُسْرُ مُخالِفًا لِمِلَّتِهِ؛ فَكانَ لا يَجُرُّ إلى خَيْرٍ؛ وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ كُلَّ حُكْمٍ حَدَثَ بَعْدَهُ لَيْسَ مِن مِلَّتِهِ؛ وكانَ اليَهُودُ يَزْعُمُونَ جَهْلًا أنَّهُ كانَ عَلى دِينِهِمْ؛ وكانَ السَّبْتُ مِن أعْظَمِ شَعائِرِهِمْ؛ أنْتَجَ ذَلِكَ قَوْلَهُ (تَعالى) - جَوابًا لِمَن قَدْ يَدَّعِي مِنَ اليَهُودِ أنَّهُ كانَ عَلى دِينِهِمْ؛ وتَحْذِيرًا مِنَ العُقُوبَةِ عَلى الِاخْتِلافِ في الحَقِّ؛ بِالتَّشْدِيدِ في الأمْرِ؛ ﴿إنَّما جُعِلَ﴾؛ أيْ: بِجَعْلِ مَن لا أمْرَ لِغَيْرِهِ؛ ﴿السَّبْتُ﴾؛ أيْ: تَحْرِيمُهُ؛ واحْتِرامُهُ؛ أوْ وبالُهُ؛ ﴿عَلى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾؛ حِينَ أمَرَهم نَبِيُّهم بِالجُمُعَةِ؛ فَقَبِلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ؛ وأرادَ السَّبْتَ آخَرُونَ؛ فَبَدَّلُوا بِالجُمُعَةِ السَّبْتَ؛ وشَدَّدَ عَلَيْهِمْ في أمْرِهِ؛ انْتِقامًا مِنهُمْ؛ بِما تُفْهِمُهُ التَّعْدِيَةُ بِـ ”عَلى“؛ فَكانَ ذَلِكَ وبالًا عَلَيْهِمْ؛ وفي ذَلِكَ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ التَّيْسِيرِ عَلَيْنا؛ قالَ البَغَوِيُّ: قالَ الكَلْبِيُّ: أمَرَهم مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالجُمُعَةِ؛ فَقالَ: ”تَفَرَّغُوا لِلَّهِ في كُلِّ سَبْعَةِ أيّامٍ يَوْمًا؛ فاعْبُدُوهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ؛ ولا تَعْمَلُوا فِيهِ عَمَلًا لِصَنْعَتِكُمْ؛ وسِتَّةَ أيّامٍ لِصِناعَتِكُمْ“؛ فَأبَوْا إلّا شِرْذِمَةً مِنهُمْ؛ وقالُوا: (p-٢٧٧)لا نُرِيدُ إلّا اليَوْمَ الَّذِي فَرَغَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الخَلْقِ؛ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَجُعِلَ ذَلِكَ اليَوْمُ عَلَيْهِمْ؛ وشُدِّدَ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ ثُمَّ جاءَهم عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِيَوْمِ الجُمُعَةِ؛ فَقالُوا: لا نُرِيدُ أنْ يَكُونَ عِيدُهم بَعْدَ عِيدِنا؛ فَأخَذُوا الأحَدَ؛ فَأعْطى اللَّهُ الجُمُعَةَ هَذِهِ الأُمَّةَ فَقَبِلُوها؛ وبُورِكَ لَهم فِيها. وقالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ؛ في تَفْسِيرِهِ: أخْبَرَنِي مُعَمَّرٌ؛ أخْبَرَنِي مَن سَمِعَ مُجاهِدًا يَقُولُ - في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّما جُعِلَ السَّبْتُ﴾ -؛ فَقالَ: رَدُّوا الجُمُعَةَ؛ وأخَذُوا السَّبْتَ مَكانَهُ؛ ورَوى الشَّيْخانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «”نَحْنُ الآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ؛ بَيْدَ أنَّهم أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِنا؛ وأُوتِيناهُ مِن بَعْدِهِمْ؛ فَهَذا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ فاخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَهَدانا اللَّهُ لَهُ؛ فَهم لَنا فِيهِ تَبَعٌ؛ فاليَهُودُ غَدًا؛ والنَّصارى بَعْدَ غَدٍ“». ولَمّا كانَ الإشْراكُ واضِحًا في أمْرِ النَّصارى؛ اسْتَغْنى بِنَفْيِهِ عَنْهُ عَنِ التَّصْرِيحِ بِأنَّهُ لَيْسَ عَلى دِينِهِمْ؛ ثُمَّ حَذَّرَ مِنَ الاخْتِلافِ؛ مُثْبِتًا أمْرَ البَعْثِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وإنَّ رَبَّكَ﴾؛ أيْ: المُحْسِنَ إلَيْكَ بِطَواعِيَةِ أصْحابِكَ لَكَ؛ ﴿لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾؛ أيْ: هَؤُلاءِ (p-٢٧٨)المُخْتَلِفِينَ؛ ﴿يَوْمَ القِيامَةِ﴾؛ واجْتِماعِ جَمِيعِ الخَلائِقِ ﴿فِيما كانُوا﴾؛ أيْ: بِجِبِلّاتِهِمْ؛ ﴿فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾؛ مِن قَبُولِ الجُمُعَةِ؛ ورَدِّها؛ ومِنَ الإذْعانِ لِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ؛ وإبائِهِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَيُجازى كُلُّ فَرِيقٍ مِنهم بِما يَسْتَحِقُّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب