الباحث القرآني
ولَمّا عَقَّبَ - سُبْحانَهُ - ما ضَرَبَ سابِقًا مِنَ الأمْثالِ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ”ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ“؛ وتَلاهُ بِذِكْرِ السّاعَةِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ”وما أمْرُ السّاعَةِ“؛ إلى آخِرِهِ؛ واسْتَمَرَّ فِيما مَضَتْ مُناسَباتُهُ آخِذًا بَعْضُهُ بِحَجُزِ بَعْضٍ؛ حَتّى خَتَمَ بِالسّاعَةِ؛ وآمَنَ مِنَ الظُّلْمِ فِيها؛ وبَيَّنَ أنَّ الأعْمالَ هُناكَ هي مَناطُ الجَزاءِ؛ عَطَفَ عَلى ما مَضى - مِنَ الأمْثالِ المَفْرُوضَةِ؛ المُقَدَّرَةِ؛ المُرَغِّبَةِ - مَثَلًا مَحْسُوسًا؛ مَوْجُودًا؛ مُبَيِّنًا أنَّ الأعْمالَ في هَذِهِ (p-٢٦٤)الدّارِ أيْضًا مَناطُ الجَزاءِ؛ مُرَهِّبًا مِنَ المُعاجَلَةِ فِيها بِسَوْطٍ مِنَ العَذابِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وضَرَبَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ لَكم أيُّها المُعانِدُونَ؛ ﴿مَثَلا قَرْيَةً﴾؛ مِن قُرى الماضِينَ؛ الَّتِي تَعْرِفُونَها؛ كَقَرْيَةِ هُودٍ؛ أوْ صالِحٍ؛ أوْ لُوطٍ؛ أوْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ كانَ حالُها كَحالِهِمْ؛ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّها مَكَّةُ؛ ﴿كانَتْ آمِنَةً﴾؛ أيْ: ذاتَ أمْنٍ؛ يَأْمَنُ بِهِ أهْلُها في زَمَنِ الخَوْفِ؛ ﴿مُطْمَئِنَّةً﴾؛ أيْ: تارَةً بِأهْلِها؛ لا يَحْتاجُونَ فِيها إلى نُجْعَةٍ؛ وانْتِقالٍ؛ بِسَبَبِ زِيادَةِ الأمْنِ؛ بِكَثْرَةِ العَدَدِ؛ وقُوَّةِ المَدَدِ؛ وكَفِّ اللَّهِ النّاسَ عَنْها؛ ووُجُودِ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ أهْلُها؛ ﴿يَأْتِيها﴾؛ أيْ: عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ؛ ﴿رِزْقُها رَغَدًا﴾؛ أيْ: واسِعًا طَيِّبًا؛ ﴿مِن كُلِّ مَكانٍ﴾؛ بَرًّا؛ وبَحْرًا؛ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ (تَعالى) لَهم ذَلِكَ.
ولَمّا كانَتِ السَّعَةُ تَجُرُّ إلى البَطَرِ غالِبًا؛ نَبَّهَ (تَعالى) عَلى ذَلِكَ بِالفاءِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿فَكَفَرَتْ﴾؛ ونَبَّهَ - سُبْحانَهُ - عَلى سَعَةِ فَضْلِهِ بِجَمْعِ القِلَّةِ؛ الدّالِّ عَلى أنَّ كَثْرَةَ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ تافِهَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلى ما عِنْدَهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - فَقالَ: ﴿بِأنْعُمِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ كَما كَفَرْتُمْ؛ ﴿فَأذاقَها اللَّهُ﴾ (p-٢٦٥)أيْ: المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ ﴿لِباسَ الجُوعِ﴾؛ بَعْدَ رَغَدِ العَيْشِ؛ ﴿والخَوْفِ﴾؛ بَعْدَ الأمْنِ؛ والطُّمَأْنِينَةِ؛ حَتّى صارَ لَهم ذَلِكَ - بِشُمُولِهِ لَهم - لِباسًا؛ وبِشِدَّةِ عَرْكِهِمْ ذَواقًا؛ فَكَأنَّ النَّظَرَ إلى المُسْتَعارِ لَهُ؛ وهو هُنا أبْلَغُ؛ لِدَلالَتِهِ عَلى الإحاطَةِ؛ والذَّوْقِ؛ ولَوْ نَظَرَ إلى المُسْتَعارِ لَقالَ: فَكَساها؛ فَكانَ يَفُوتُ الذَّوْقَ؛ وذَلِكَ كَما نَظَرَ إلَيْهِ كُثَيِّرٌ؛ في قَوْلِهِ:
؎غَمْرُ الرِّداءِ إذا تَبَسَّمَ ضاحِكًا ∗∗∗ غَلِقَتْ لِضِحْكَتِهِ رِقابُ المالِ
اسْتَعارَ الرِّداءَ لِلْمَعْرُوفِ؛ لِأنَّهُ يَصُونُ صَوْنَ الرِّداءِ؛ لِما يُلْقى عَلَيْهِ؛ ووَصَفَهُ بِالغَمْرِ؛ الَّذِي هو وصْفُ المَعْرُوفِ والنَّوالِ؛ لا وصْفُ الرِّداءِ؛ الَّذِي هو المُسْتَعارُ؛ ولَوْ نَظَرَ إلَيْهِ لَوَصَفَهُ بِالسَّعَةِ؛ أوِ الطُّولِ؛ مَثَلًا؛ كَما نَظَرَ إلَيْهِ مَن قالَ - ذاكِرًا السَّيْفَ الَّذِي يَصُونُ بِهِ الإنْسانُ نَفْسَهُ -:
؎يُنازِعُنِي رِدائِي عَبْدُ عَمْرٍو ∗∗∗ رُوَيْدَكَ يا أخا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو
؎لِيَ الشَّطْرُ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِينِي ∗∗∗ ودُونَكَ فاعْتَجِرْ مِنهُ بِشَطْرِ
(p-٢٦٦)فَنَظَرَ إلى المُسْتَعارِ؛ وهو الرِّداءُ؛ في لَفْظِ الِاعْتِجارِ؛ فَبانَتْ فَضِيحَةُ ابْنِ الرّاوِنْدِيِّ في زَنْدَقَتِهِ؛ إذْ قالَ لِابْنِ الأعْرابِيِّ: هَلْ يُذاقُ اللِّباسُ؟ فَقالَ لَهُ: لا بَأْسَ يا أيُّها النِّسْناسُ؛ هَبْ أنَّ مُحَمَّدًا ما كانَ نَبِيًّا؛ أما كانَ عَرَبِيًّا؟ ﴿بِما كانُوا﴾؛ أيْ: بِجِبِلّاتِهِمْ؛ ﴿يَصْنَعُونَ﴾؛ مِنَ الكُفْرِ والكِبْرِ؛ قَدْ مَرَنُوا عَلَيْهِ بِكَثْرَةِ المُداوَمَةِ؛ مُرُونَ الإنْسانِ عَلى صَنْعَتِهِ.
{"ayah":"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا قَرۡیَةࣰ كَانَتۡ ءَامِنَةࣰ مُّطۡمَىِٕنَّةࣰ یَأۡتِیهَا رِزۡقُهَا رَغَدࣰا مِّن كُلِّ مَكَانࣲ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَ ٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











