الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ما مَضى كَفِيلًا بِبَيانِ أنَّهُ الواحِدُ المُخْتارُ؛ شَرَعَ يُوَضِّحُ ذَلِكَ بِتَفْصِيلِ الآياتِ إيضاحًا يَدَعُهُ في أتَمِّ انْكِشافٍ في سِياقٍ مُعَدِّدٍ لِلنِّعَمِ؛ مُذَكِّرٍ بِها؛ داعٍ إلى شُكْرِها؛ فَقالَ - بَعْدَ ما دَلَّ بِهِ؛ مِنَ الإنْسانِ؛ وما يَلِيهِ في الشَّرَفِ مِنَ الحَيَوانِ؛ مُبْتَدِئًا بِما يَلِيهِما في الشَّرَفِ مِنَ النَّباتِ؛ الَّذِي هو قِوامُ حَياةِ الإنْسانِ؛ وما بِهِ قِوامُ حَياتِهِ مِنَ الحَيَوانِ -: ﴿هُوَ﴾؛ لا غَيْرُهُ مِمّا تُدَّعى فِيهِ الإلَهِيَّةُ؛ ﴿الَّذِي أنْـزَلَ﴾؛ أيْ: بِقُدْرَتِهِ الباهِرَةِ؛ ﴿مِنَ السَّماءِ﴾؛ قِيلَ: نَفْسِها؛ وقِيلَ: جِهَتِها؛ وقِيلَ: السَّحابِ - كَما هو مُشاهَدٌ -؛ ﴿ماءً﴾؛ أيْ: واحِدًا تُحِسُّونَهُ بِالذَّوْقِ؛ والبَصَرِ؛ ﴿لَكم مِنهُ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ﴿شَرابٌ﴾؛ ظاهِرٌ عَلى وجْهِ الأرْضِ؛ مِنَ العُيُونِ؛ والأنْهارِ؛ والغُدْرانِ؛ وغَيْرِها. (p-١١٧)ولَمّا كانَ أوَّلُ ما يُقِيمُ الآدَمِيَّ شَرابَ اللَّبَنِ النّاشِئِ عَنِ الماءِ؛ فَقَدَّمَهُ؛ أتْبَعَهُ ما يَنْشَأُ مِنهُ أشْرَفُ أغْذِيَتِهِ؛ وهو الحَيَوانِيُّ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ومِنهُ شَجَرٌ﴾؛ لِسَرَيانِهِ في الأرْضِ الواحِدَةِ؛ واخْتِلاطِهِ بِها؛ فَيَنْعَقِدُ مِن ذَلِكَ نَباتٌ؛ ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾؛ أيْ: تَرْعَوْنَ؛ عَلى سَبِيلِ الإطْلاقِ؛ لَيْلًا ونَهارًا؛ ما خَلَقَ لَكم مِنَ البَهائِمِ؛ والشَّجَرُ هُنا - بِما أفْهَمَتْهُ الإسامَةُ - عامٌّ لِما يَبْقى في الشِّتاءِ حَقِيقَةً؛ ولِغَيْرِهِ مَجازًا؛ قالَ القَزّازُ: ”الشَّجَرُ“: ما بَقِيَ لَهُ ساقٌ في الشِّتاءِ إلى الصَّيْفِ؛ ثُمَّ يُورِقُ؛ و”البَقْلُ“: ما لا يَبْقى لَهُ ساقٌ؛ قالَ الخَلِيلُ: ”جِلُّ الشَّجَرِ“: عِظامُهُ؛ وما يَبْقى مِنهُ في الشِّتاءِ؛ و”دِقُّهُ“؛ صِنْفانِ؛ أحَدُهُما تَبْقى لَهُ أرُومَةٌ في الأرْضِ في الشِّتاءِ؛ ويَنْبُتُ في الرَّبِيعِ؛ ومِنهُ ما يَنْبُتُ مِنَ الأرْضِ كَما تَنْبُتُ البَقْلَةُ؛ والفارِقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ البَقْلِ أنَّ الشَّجَرَ يَبْقى لَهُ أرُومَةٌ عَلى الشِّتاءِ؛ ولا يَبْقى لِلْبَقْلِ؛ وعَنْ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّباتَ ثَلاثَةُ أقْسامٍ: شَجَرٌ؛ وهو ما يَبْقى في الشِّتاءِ؛ ولا يَذْهَبُ فَرْعُهُ؛ ولا أصْلُهُ؛ وما نَبَتَ في بَزْرٍ؛ ولَمْ يَنْبُتْ في أرُومَةٍ ثابِتَةٍ؛ فَهو البَقْلُ؛ وما نَبَتَ في أرُومَةٍ - أيْ: أصْلٍ - وكانَ مِمّا يَهْلِكُ فَرْعُهُ وأصْلُهُ في الشِّتاءِ؛ فَهو الجَنْبَةُ؛ لِأنَّهُ فارِقُ الشَّجَرِ الَّذِي (p-١١٨)يَبْقى فَرْعُهُ وأصْلُهُ؛ و”البَقْلُ“: الَّذِي يَبِيدُ فَرْعُهُ وأصْلُهُ؛ فَكانَ جَنْبَةً بَيْنَهُما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب