الباحث القرآني
(p-١١)ولَمّا وصَفَ - سُبْحانَهُ - هَذا القُرْآنَ بِما وصَفَهُ مِنَ العَظَمَةِ؛ والإبانَةِ لِجَمِيعِ المَقاصِدِ؛ الَّتِي مِنها سُؤالُ الكَفَرَةِ - عِنْدَ رُؤْيَةِ العَذابِ - التَّأْخِيرَ لِلطّاعَةِ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذابُ﴾ [إبراهيم: ٤٤]؛ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: ما لَهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْكَفَرَةِ سُوءَ عاقِبَتِهِمْ بَيانًا يَرُدُّهُمْ؟ فَقالَ - سُبْحانَهُ - باسِطًا لِقَوْلِهِ: ﴿ولِيُنْذَرُوا بِهِ﴾ [إبراهيم: ٥٢] -: ﴿رُبَما يَوَدُّ﴾؛ أشارَ (تَعالى) بِكَوْنِهِ مُضارِعًا إلى أنَّ ودَّهم لِذَلِكَ يَكُونُ كَثِيرًا جِدًّا؛ مُتَكَرِّرًا؛ وإيلاءَهُ لِـ ”رُبَما“ - وإنَّما يَلِيها في الأغْلَبِ الماضِي - مُعْلِمٌ بِأنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ؛ كَما يُقْطَعُ بِالماضِي الَّذِي تَحَقَّقَ؛ ووَقَعَ؛ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أيْ: ولَوْ وقْتًا ما؛ والوَدُّ: التَّمَنِّي؛ وهو تَقْدِيرُ المَعْنى في النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتاعِ؛ وإظْهارِ مَيْلِ الطِّباعِ لَهُ إلَيْهِ؛ وفِيهِ اشْتِراكٌ بَيْنَ التَّمَنِّي والحُبِّ؛ قالَ الرُّمّانِيُّ؛ وهو هُنا لِلتَّمَنِّي؛ فَإنَّهُ بَيَّنَ مَوْدُودَهم بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْ كانُوا﴾؛ أيْ: كَوْنًا جِبِلِّيًّا؛ ﴿مُسْلِمِينَ﴾؛ أيْ: عَرِيقِينَ في وصْفِ الإسْلامِ مِن أوَّلِ أمْرِهِمْ إلى آخِرِهِ؛ قالَ الرُّمّانِيُّ: والإسْلامُ: إعْطاءُ الشَّيْءِ عَلى حالِ سَلامَةٍ؛ كَإسْلامِ الثَّوْبِ إلى مَن يُقَصِّرُهُ؛ وإسْلامِ الصَّبِيِّ إلى مَن يُعَلِّمُهُ؛ فالإسْلامُ (p-١٢)الَّذِي هو الإيمانُ - إعْطاءُ مَعْنى الحَقِّ في الدِّينِ بِالإقْرارِ؛ والعَمَلِ بِهِ؛ انْتَهى؛ وقَدْ كانَ ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ؛ فَقَدْ نَدِمَ كُلُّ مَن أسْلَمَ مِنَ الصَّحابَةِ عَلى تَأْخِيرِ إسْلامِهِ؛ لَمّا عَلِمُوا فَضْلَ الإسْلامِ؛ ورَأوْا فَضائِلَ السّابِقِينَ - كَما هو مَذْكُورٌ في السِّيَرِ وفُتُوحِ البُلْدانِ؛ وسَيَكُونُ ما شاءَ اللَّهُ مِن ذَلِكَ في القِيامَةِ؛ وما قَبْلَها؛ فالمَعْنى أنَّكم إنْ كَذَّبْتُمْ في القَطْعِ - في نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أخِّرْنا﴾ [إبراهيم: ٤٤]؛ الآيَةَ - بِأنَّكم تَرْجِعُونَ عَنْ هَذا الشَّمَمِ؛ وتَتَبَرَّؤُونَ مِن هَذِهِ السَّجايا والهِمَمِ؛ فَتَسْألُونَ اللَّهَ (تَعالى) في الطّاعَةِ؛ وقَدْ فاتَ الفَوْتُ بِحُلُولِ حادِثِ المَوْتِ إلى غَيْرِهِ؛ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يَكُونَ عِنْدَكم شَكٌّ في الأُمُورِ الَّتِي يَجُوزُ كَوْنُها؛ ولا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ لِلْعاقِلِ تَرْكُ الِاهْتِمامِ بِالِاسْتِعْدادِ عَلى تَقْدِيرِ هَذا الِاحْتِمالِ؛ هَذا - أعْنِي التَّقْلِيلَ - مَدْلُولُ ”رُبَّ“؛ وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّها قَدْ تَرِدُ لِلتَّكْثِيرِ؛ وقالَ الجَمالُ (p-١٣)ابْنُ هِشامٍ في كِتابِ ”المُغْنِي“: إنَّهُ أغْلَبُ أحْوالِها؛ واسْتَدَلَّ بِشَواهِدَ لا تَدُلُّ عِنْدَ التَّأمُّلِ؛ ولا يَصِحُّ قَوْلُ مَن نَسَبَ إلى الكَشّافِ ذَلِكَ؛ فَإنَّ كَلامَهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّجّاجِ؛ وعِبارَةُ الزَّجّاجِ - كَما نَقَلَها الإمامُ جَمالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ المُكَرَّمِ؛ في كِتابِهِ ”لِسانُ العَرَبِ“؛ ومِن خَطِّهِ نَقَلْتُ: مَن قالَ: إنَّ ”رُبَّ“؛ يُعْنى بِها التَّكْثِيرُ؛ فَهو ضِدُّ ما تَعْرِفُهُ العَرَبُ؛ فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَلِمَ جازَتْ في قَوْلِهِ: ﴿رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ و”رُبَّ“؛ لِلتَّقْلِيلِ؟ فالجَوابُ أنَّ العَرَبَ خُوطِبَتْ بِما تَعْلَمُهُ في التَّهْدِيدِ؛ والرَّجُلُ يَتَهَدَّدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: ”لَعَلَّكَ سَتَنْدَمُ عَلى فِعْلِكَ“؛ وهو لا يَشُكُّ أنَّهُ يَنْدَمُ؛ ويَقُولُ: ”رُبَّما نَدِمَ الإنْسانُ مِن مِثْلِ ما صَنَعْتَ“؛ وهو يَعْلَمُ أنَّ الإنْسانَ يَنْدَمُ كَثِيرًا؛ ولَكِنَّ مَجازَهُ أنَّ هَذا لَوْ كانَ مِمّا يُوَدُّ في حالٍ واحِدَةٍ مِن أحْوالِ العَذابِ؛ أوْ كانَ الإنْسانُ يَخافُ أنْ يَنْدَمَ عَلى الشَّيْءِ؛ لَوَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنابُهُ؛ والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ مَعْنى التَّهْدِيدِ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ذَرْهم يَأْكُلُوا (p-١٤)ويَتَمَتَّعُوا﴾ [الحجر: ٣]؛ انْتَهى.
فَقَدْ عُلِمَ مِن هَذا أنَّهم يُطْلِقُونَها بِمَعْنى القِلَّةِ فِيما يَعْلَمُونَ أنَّهُ كَثِيرٌ؛ إرْخاءً لِلْعِنانِ؛ وتَنْبِيهًا عَلى وُجُوبِ الأخْذِ بِالأحْوَطِ؛ وذَلِكَ واقِعٌ في التَّهْدِيدِ؛ وفارِقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ ما يُعْلَمُ أنَّهُ كَثِيرٌ مِن أمْرٍ خارِجٍ عَنِ العِبارَةِ المُخْبَرِ بِها عَنْهُ؛ وبَيْنَ ما تُعْرَفُ كَثْرَتُهُ مِن تِلْكَ العِبارَةِ؛ وزِيدَتْ ”ما“؛ فِيها تَأْكِيدًا؛ مِن حَيْثُ إنَّها تُفْهِمُ أنَّ الأمْرَ لا يَكُونُ إلّا كَذَلِكَ؛ ولِتَهْيِئَتِها لِمَجِيءِ الفِعْلِ بَعْدَها؛ قالَ الإمامُ أبُو حَيّانَ: والظّاهِرُ أنَّ ”ما“؛ في ”رُبَّ“؛ مُهَيِّئَةٌ؛ وذَلِكَ أنَّها مِن حَيْثُ هي حَرْفُ جَرٍّ - عَلى خِلافٍ فِيهِ - لا يَلِيها إلّا الأسْماءُ؛ فَجِيءَ بِها مُهَيِّئَةً لِمَجِيءِ الفِعْلِ بَعْدَها؛ وعَلى كَثْرَةِ مَجِيءِ ”رُبَّ“؛ في كَلامِ العَرَبِ لَمْ تَجِئْ في القُرْآنِ إلّا في هَذا المَوْضِعِ؛ انْتَهى؛ ودَخَلَتْ هَهُنا عَلى المُضارِعِ - وهي لِلْماضِي - لِأنَّهُ لِصِدْقِ الوَعْدِ؛ كَأنَّهُ عِيانٌ؛ قَدْ كانَ؛ أوْ لِأنَّ ”ما“؛ إذا لَحِقَتْها سَوَّغَتْ دُخُولَها عَلى المُسْتَقْبَلِ؛ كَما تَدْخُلُ عَلى (p-١٥)المَعْرِفَةِ؛ قالَ الرُّمّانِيُّ:
{"ayah":"رُّبَمَا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ كَانُوا۟ مُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











