الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ذِكْرُ هَذِهِ الآيَةِ السَّماوِيَّةِ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ في الجَوابِ عَنْ إنْكارِهِمُ النُّبُوَّةَ؛ دَلِيلًا عَلى مُرُودِهِمْ عَلى الكُفْرِ؛ وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ ثُبُوتَ النُّبُوَّةِ مُتَرَتِّبٌ عَلى ثُبُوتِ الوَحْدانِيَّةِ؛ تَوَقَّعَ السّامِعُ الفَهِمُ الإخْبارَ عَمّا لَهُ (تَعالى) مِنَ الآياتِ المُحَقَّقَةِ الوُجُودِ؛ المُشاهَدَةِ؛ الدّالَّةِ عَلى قُدْرَتِهِ؛ فَأتْبَعَها بِذَلِكَ اسْتِدْلالًا عَلى وحْدانِيَّتِهِ؛ بِما لَهُ مِنَ المَصْنُوعاتِ؛ شَرْحًا لِقَوْلِهِ: ﴿ولِيَعْلَمُوا أنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ﴾ [إبراهيم: ٥٢]؛ ودَلِيلًا عَلى عَدَمِ إيمانِهِمْ بِالخَوارِقِ؛ وابْتَدَأ بِالسَّماوِيّاتِ؛ لِظُهُورِها لِكُلِّ أحَدٍ؛ وشَرَفِها؛ وظُهُورِ أنَّها مِنَ الخَوارِقِ بِعَدَمِ مُلابَسَتِها؛ والوُصُولِ إلَيْها؛ فَقالَ - مُفْتَتِحًا بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ -: ﴿ولَقَدْ جَعَلْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي لا يَقْدِرُ عَلَيْها سِوانا؛ مِمّا هو مُغْنٍ عَنْ فَتْحِ بابٍ ونَحْوِهِ؛ ﴿فِي السَّماءِ بُرُوجًا﴾؛ أيْ: مَنازِلَ لِلْقَمَرِ؛ جَمْعُ ”بُرْجٌ“؛ وهو في الأصْلِ القَصْرُ العالِي؛ أوَّلُها الحَمَلُ؛ وآخِرُها الحُوتُ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها لِلْكَواكِبِ السَّيّارَةِ كالمَنازِلِ لِسُكّانِها؛ وهي (p-٣٠)مُخْتَلِفَةُ الطَّبائِعِ؛ فَسَيْرُ الشَّمْسِ والقَمَرِ بِكُلٍّ مِنها يُؤَثِّرُ ما لا يُوَثِّرُهُ الآخَرُ؛ فاخْتِلافُها في ذَلِكَ - مَعَ أنَّ نِسْبَتَها إلى السَّماءِ واحِدَةٌ - دَلِيلٌ عَلى الفاعِلِ المُخْتارِ الواحِدِ؛ والعَرَبُ أعْرَفُ النّاسِ بِها؛ وبِاخْتِلافِها؛ ومادَّةُ ”بَرَجَ“؛ بِكُلِّ تَقْلِيبٍ؛ تَدُورُ عَلى الظُّهُورِ المَلْزُومِ لِلْعُلُوِّ؛ المَلْزُومِ لِلْقُوَّةِ؛ وقَدْ يُفَرِّطُ فَيَلْزَمُهُ الضَّعْفُ؛ فَمِن مُطْلَقِ الظُّهُورِ: ”بُرُوجُ السَّماءِ“؛ قالَ القَزّازُ: سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِأنَّها بُيُوتُ الكَواكِبِ؛ فَكَأنَّها بِمَنزِلَةِ الحُصُونِ لَها؛ وقِيلَ: سُمِّيَتْ لِارْتِفاعِها؛ وكُلُّ حِصْنٍ مُرْتَفِعٍ فَهو بُرْجٌ؛ و”البَرَجُ“؛ أيْ: مُحَرَّكًا: سَعَةُ بَياضِ العَيْنِ؛ وصَفاءُ سَوادِها؛ وقِيلَ: ”البَرَجُ“؛ في العَيْنِ؛ هو أنْ يَكُونَ البَياضُ مُحْدِقًا بِالسَّوادِ؛ يَظْهَرُ في نَظَرِ الإنْسانِ؛ فَلا يَغِيبُ مِن سَوادِ العَيْنِ شَيْءٌ؛ و”تَبَرَّجَتِ المَرْأةُ“: أبْدَتْ مَحاسِنَها؛ و”الجِرْبِياءُ“: الشَّمالُ؛ لِعُلُوِّها؛ و”الجَرِيبُ“: الوادِي؛ لِظُهُورِهِ؛ و”الجَرِيبُ“: مِكْيالُ أرْبَعَةِ أقْفِزَةٍ؛ و”جَرِيبُ الأرْضِ“؛ مَعْرُوفٌ؛ وهو ساحَةٌ مُرَبَّعَةٌ؛ كُلُّ جانِبٍ مِنها سِتُّونَ ذِراعًا؛ ومِنهُ ”الجِرابُ“؛ لِوِعاءٍ مِن جُلُودٍ؛ و”الجَوْرَبُ“؛ لِلِفافَةِ الرِّجْلِ؛ لِأنَّهُما ظاهِرانِ بِالنِّسْبَةِ إلى ما فِيهِما؛ وكَذا ”الجُرُبّانُ“؛ لِغِلافِ السَّيْفِ؛ و”جِرابُ البِئْرِ“: جَوْفُها؛ و”الأرْجابُ“: الأمْعاءُ؛ شَبَهًا (p-٣١)بِالجِرابِ؛ و”البارِجَةُ“: سَفِينَةٌ مِن سُفُنِ البَحْرِ تُتَّخَذُ لِلْقِتالِ؛ و”البُجْرَةُ“: كُلُّ عُقْدَةٍ في البَطْنِ؛ و”العُجْرَةُ“: كُلُّ عُقْدَةٍ في الجَسَدِ؛ و”البُجْرَةُ“: السُّرَّةُ النّاتِئَةُ؛ وسُرَّةُ البَعِيرِ؛ عَظُمَتْ؛ أوْ لا؛ و”البُجْرُ“؛ و”البُجْرِيُّ“: الأمْرُ العَظِيمُ؛ و”جاءَ فُلانٌ بِالبُجارَةِ“؛ وهي الدّاهِيَةُ؛ وفِيهِ ما جَمَعَ إلى الظُّهُورِ القُوَّةَ؛ ومِن ذَلِكَ ”رَجَبٌ“: اسْمُ شَهْرٍ؛ و”رَجِبْتُ الرَّجُلَ“: عَظَّمْتُهُ؛ و”الرُّجْبَةُ“؛ مِن وصْفِ الأدْوِيَةِ؛ و”الرَّجْبُ“: الحَياءُ؛ والعَفْوُ؛ و”الرَّجْبُ“: الهَيْبَةُ؛ و”المُجَرِّبُ“: الَّذِي بُلِيَ بِالشَّدائِدِ؛ و”رَجَبْتُ النَّخْلَ تَرْجِيبًا“: بَنَيْتُ مِن جانِبِها بِناءً لِئَلّا يَسْقُطَ؛ و”الجَبْرُ“: خِلافَ الكَسْرِ؛ والمَلِكُ؛ لِوُجُودِ الجَبْرِ بِهِ؛ لِقُوَّتِهِ؛ و”جَبَرْتُ العَظْمَ“؛ و”الجَبارَةُ“: ما يُوضَعُ عَلى الكَسْرِ لِيَنْجَبِرَ؛ و”جَبَرْتُ الرَّجُلَ“: أحْسَنْتُ إلَيْهِ؛ و”أجْبَرْتُهُ“: ضَمَمْتُهُ إلى ما يُرِيدُ؛ و”أجْبَرْتُهُ عَلى كَذا“: قَهَرْتُهُ عَلَيْهِ؛ أيْ: أزَلْتُ جَبْرَهُ؛ و”الجَرَبَّةُ“: العانَةُ مِنَ الحَمِيرِ؛ وهي أيْضًا الأقْوِياءُ مِنَ النّاسِ؛ و”الجَبّارُ مِنَ النَّخْلِ“: الطَّوِيلُ الفَتِيُّ؛ و”الجَبّارُ“: اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ (تَعالى)؛ و”الجَبّارُ“: كُلُّ عاتٍ؛ وكُلُّ ما فاتَ اليَدَ؛ والعَظِيمُ القَوِيُّ الطَّوِيلُ؛ والمُتَكَبِّرُ الَّذِي لا يَرى لِأحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا؛ و”المُتَجَبِّرُ“: الأسَدُ؛ و”جُبارٌ“؛ بِالضَّمِّ مُخَفَّفًا: يَوْمُ الثُّلاثاءِ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) خَلَقَ المَكْرُوهَ فِيهِ؛ (p-٣٢)كَما في الصَّحِيحِ؛ ومِنَ الضَّعْفِ: ”الجُبارُ“؛ بِالضَّمِّ مُخَفَّفًا؛ وهو الهَدْرُ مِنَ الدِّماءِ؛ والحُرُوبِ؛ وغَيْرِها؛ وقَدْ يَكُونُ مِن جَبْرِ الكَسْرِ؛ لِأنَّهُ جُبِرَ بِهِ المُهْدَرُ عَنْهُ؛ وقَوِيَ بِهِ؛ وأُحْسِنَ إلَيْهِ؛ وكُلُّ ما أفْسَدَ؛ وأهْلَكَ؛ فَهو جَبّارٌ - كَأنَّهُ شُبِّهَ بِالجَبِيرَةِ الَّتِي تُفْسِدُ لِإصْلاحِ الكَسْرِ؛ و”الجَبْرُ“: العَبْدُ؛ لِضَعْفِهِ؛ واحْتِياجِهِ إلى التَّقْوِيَةِ؛ ومِنَ الضَّعْفِ أيْضًا ”الجَرِبُ“؛ بِالنِّسْبَةِ إلى مَن يَحِلُّ بِهِ؛ وهو مِنَ القُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلى نَفْسِهِ؛ ومِنَ الظُّهُورِ والِانْتِشارِ أيْضًا؛ و”الجَرْباءُ“: السَّماءُ؛ تَشْبِيهًا بِالأجْرَبِ؛ و”أرْضٌ جَرْباءُ“: مَقْحُوطَةٌ؛ و”التَّرَبُّجُ“: التَّجَبُّرُ؛ و”الرَّوْبَجُ“: دِرْهَمٌ صَغِيرٌ؛ قالَ الزُّبَيْدِيُّ: وهو دَخِيلٌ؛ ومادَّةُ ”جَبَرَ“؛ مِنها بِخُصُوصِ تَرْتِيبِها؛ تَدُورُ عَلى النَّفْعِ؛ وتارَةً تَنْظُرُ إلى ما يَلْزَمُهُ مِن عَدَمِ الضُّرِّ؛ مِثْلَ ”الجُبارُ“؛ بِالضَّمِّ مُخَفَّفًا؛ لِما هُدِرَ؛ وتارَةً تَنْظُرُ إلى ما يَلْزَمُ النَّفْعَ مِنَ التَّكَبُّرِ؛ والقَهْرِ. ولَمّا ذَكَرَ البُرُوجَ؛ وصَفَ - سُبْحانَهُ - السَّماءَ؛ المُشْتَمِلَةَ عَلَيْها؛ فَقالَ: ﴿وزَيَّنّاها﴾؛ أيْ: السَّماءَ؛ لِأنَّها المُحَدَّثُ عَنْها بِالكَواكِبِ؛ ﴿لِلنّاظِرِينَ﴾؛ أيْ: لِكُلِّ مَن لَهُ أُهْبَةُ النَّظَرِ في دَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ؛ لا عائِقَ لَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلّا عَدَمُ صَرْفِهِ النَّظَرَ إلَيْهِ بِالبَصَرِ؛ أوْ بِالبَصِيرَةِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب