الباحث القرآني

(p-١)سُورَةُ ”الحِجْرِ“ مَقْصُودُها وصْفُ الكِتابِ بِأنَّهُ في الذِّرْوَةِ مِنَ الجَمْعِ لِلْمَعانِي الواضِحَةِ لِلْحَقِّ؛ مِن غَيْرِ اخْتِلافٍ أصْلًا؛ وأشْكَلُ ما فِيها وأمْثَلُهُ في هَذا المَعْنى قِصَّةُ أصْحابِ الحِجْرِ؛ فَإنَّ وُضُوحَ آيَتِهِمْ عِنْدَهُمْ؛ وعِنْدَ كُلِّ مَن شاهَدَها؛ أوْ سَمِعَ بِها؛ كَوُضُوحِ ما دَلَّ عَلَيْهِ مَقْصُودُ هَذِهِ السُّورَةِ في أمْرِ الكِتابِ عِنْدَ جَمِيعِ العَرَبِ؛ لا سِيَّما قُرَيْشٌ؛ وأيْضًا آيَتُهم في غايَةِ الإيضاحِ لِلْحَقِّ؛ والجَمْعِ لِمَعانِيهِ الدّائِرَةِ عَلى التَّوْحِيدِ المُقْتَضِي لِلِاجْتِماعِ عَلى الدّاعِي؛ ومِن هُنا يَتَّضِحُ ويَتَأيَّدُ ما اخْتَرْتُهُ مِنَ الإعْرابِ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿”كَما أنْزَلْنا (p-٢)عَلى المُقْتَسِمِينَ“؛﴾ مِن تَعْلِيقِي لَهُ بِـ ﴿”فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ“؛﴾ [الحجر: ٨١] المُقْتَضِي لِشِدَّةِ المُلابَسَةِ بَيْنَ شَأْنِهِمْ في كُفْرِهِمْ؛ وشَأْنِ قُرَيْشٍ في مِثْلِ ذَلِكَ - كَما سَتَراهُ -؛ عَلى أنَّ لَفْظَ ”الحِجْرِ“؛ يَدُلُّ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ مَقْصُودُ السُّورَةِ؛ مِنَ الجَمْعِ؛ والِاسْتِدارَةِ؛ الَّتِي رُوحُها الإحاطَةُ المُمَيِّزَةُ لِلْمُحاطِ بِهِ مِن غَيْرِهِ؛ بِلا لَبْسٍ أصْلًا؛ واللَّهُ أعْلَمُ. ”بِسْمِ اللَّهِ“؛ الواحِدِ الأحَدِ؛ الجامِعِ لِما شُتِّتَ مِن بَدَدٍ؛ ”الرَّحْمَنِ“؛ الَّذِي جَمَعَ خَلْقَهُ في رَحْمَةِ البَيانِ؛ ”الرَّحِيمِ“؛ الَّذِي خَصَّ الأبْرارَ بِما أباحَهُمُ الرِّضْوانَ. لَمّا خَتَمَ الَّتِي قَبْلَها بِعُنْوانِ الكِتابِ؛ ابْتَدَأ هَذِهِ بِشَرْحِ ذَلِكَ العُنْوانِ؛ وأوَّلُهُ وصْفُهُ بِأنَّهُ جامِعٌ؛ والخَيْرُ كُلُّهُ في الجَمْعِ؛ والشَّرُّ كُلُّهُ في الفُرْقَةِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿الر تِلْكَ﴾؛ أيْ: هَذِهِ الآياتُ العالِيَةُ المَقامِ؛ النَّفِيسَةُ المَرامِ؛ ﴿آياتُ الكِتابِ﴾؛ أيْ: الكامِلِ غايَةَ الكَمالِ؛ الَّذِي لا كِتابَ عَلى الحَقِيقَةِ غَيْرُهُ؛ الجامِعُ لِجَمِيعِ ما يَقُومُ بِهِ الوُجُودُ مِنَ الخَيْراتِ؛ القاطِعُ في قَضائِهِ مِن غَيْرِ شَكٍّ؛ ولا تَرَدُّدٍ؛ الغالِبُ بِأحْكامِهِ القاهِرَةِ؛ في وعْدِهِ؛ ووَعِيدِهِ؛ وأحْكامِهِ؛ في إعْجازِهِ لِجَمِيعِ مَن يُعانِدُهُ. (p-٣)ولَمّا كانَ الغالِبُ في هَذِهِ السُّورَةِ القَطْعَ؛ الَّذِي هو مِن لَوازِمِ الكِتابِ؛ قَدَّمَهُ؛ وذَلِكَ أنَّهُ قَطْعٌ بِأمْرِ الأجَلِ؛ والمَلائِكَةِ؛ وحِفْظِ الكِتابِ؛ والرَّمْيِ بِالشُّهُبِ؛ وكِفايَةِ المُسْتَهْزِئِينَ؛ فَكانَ كَما قالَ - سُبْحانَهُ - ”و“؛ آياتُ؛ ”قُرْآنٍ“؛ أيْ: قُرْآنٍ جامِعٍ؛ ناشِرٍ؛ مُفَصَّلٍ؛ واصِلٍ؛ إذِ التَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ؛ ﴿مُبِينٍ﴾؛ لِجَمِيعِ ما يَجْمَعُ الهِمَمَ عَلى اللَّهِ؛ فَيُوصِلُ إلى السَّعادَةِ؛ وهَذِهِ الإبانَةُ - الَّتِي لَمْ تَدَعْ لَبْسًا - هو مُتَّصِفٌ بِها؛ مَعَ كَوْنِهِ جامِعًا لِلْأُصُولِ؛ ناشِرًا لِلْفُرُوعِ؛ لا خَلَلَ فِيهِ يُدْخَلُ مِنهُ عَلَيْهِ؛ ولا فَصْمَ يُؤْتى مِنهُ إلَيْهِ؛ فاعْجَبْ لِأمْرٍ حاوٍ لِجَمْعٍ؛ وفَرْقٍ؛ وفَصْلٍ؛ ووَصْلٍ. والإبانَةُ: إظْهارُ المَعْنى لِلنَّفْسِ بِما يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأنَّ أصْلَ الإبانَةِ الفَصْلُ؛ فَهَذا شَرْحُ كَوْنِهِ بَلاغًا؛ فَمَقْصُودُ هَذِهِ السُّورَةِ اعْتِقادُ كَوْنِ القُرْآنِ بَلاغًا جامِعًا لِلْأُمُورِ المُوصِلَةِ إلى اللَّهِ؛ مُغْنِيًا عَنْ جَمِيعِ الأسْبابِ؛ فَلا يَنْبَغِي الِالتِفاتُ إلى شَيْءٍ سِواهُ؛ ﴿ذَرْهم يَأْكُلُوا﴾ [الحجر: ٣] ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [الحجر: ٨٨] ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩]؛ وكانَ الجَمْعُ بَيْنَ الوَصْفَيْنِ؛ الدّالِّ كُلٍّ مِنهُما عَلى الجَمْعِ؛ إشارَةً إلى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ في جَعْلِهِمُ القُرْآنَ عِضِينَ؛ وأنَّ قَوْلَهم شَدِيدُ المُباعَدَةِ لِمَعْناهُ؛ مَعَ أنَّ المَفْهُومَيْنِ - مَعَ تَصادُقِهِما عَلى شَيْءٍ واحِدٍ - مُتَغايِرانِ؛ فالكِتابُ: ما يُدَوَّنُ في الطُّرُوسِ؛ والقُرْآنُ: (p-٤)ما يُقْرَأُ بِاللِّسانِ؛ فَكَأنَّ الأوَّلَ إشارَةٌ إلى حِفْظِهِ في الطُّرُوسِ بِالكِتابَةِ؛ والثّانِيَ إلى حِفْظِهِ في الصُّدُورِ بِالدِّراسَةِ؛ وسَيَأْتِي قَوْلُهُ: ﴿وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]؛ مُؤَيِّدًا لِذَلِكَ؛ وكُلٌّ مِن مادَّتَيْ ”كَتَبَ“؛ و”قَرَأ“؛ بِجَمِيعِ التَّقالِيبِ تَدُورُ عَلى الجَمْعِ. أمّا ”كَتَبَ“ - وتَنْقَلِبُ إلى ”كَبَتَ“؛ و”تَبَكَ“؛ و”بَكَتَ“؛ و”بَتَكَ“ -؛ فَقالَ في ”المُجْمَلُ“: ”كَتَبْتُ الكِتابَ؛ أكْتُبُهُ“؛ وهو مِن ”الجَمْعُ“؛ والكِتابُ أيْضًا: الدَّواةُ؛ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ ما هو آلَتُهُ؛ و”المُكْتَبُ“ - كَـ ”مُعْظَمٌ“ -: العُنْقُودُ أُكِلَ بَعْضُ ما فِيهِ؛ تَشْبِيهًا لَهُ بِالمَكْتُوبِ؛ والكَتِيبَةُ: الجَيْشُ؛ والجَماعَةُ المُسْتَحِيزَةُ مِنَ الخَيْلِ إذا أغارَتْ؛ مِنَ المِائَةِ إلى الألْفِ؛ انْتَهى؛ و”كَتَبَتِ البَغْلَةُ“؛ إذا جَمَعَتْ بَيْنَ شَفْرَيْ رَحِمِها بِحَلْقَةٍ؛ وقالَ القَزّازُ: وأصْلُهُ - أيْ: الكِتابِ - ضَمُّكَ الشَّيْءَ إلى الشَّيْءِ؛ فَكَأنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِضَمِّ الحُرُوفِ؛ بَعْضِها إلى بَعْضٍ؛ ”كَتَبْتُ المَزادَةَ“؛ إذا خَرَّزْتُها؛ (p-٥)يَعْنِي: فَضَمَمْتُ بَعْضَها إلى بَعْضٍ. والكُتْبَةُ؛ بِالضَّمِّ: السَّيْرُ يُخَرَّزُ بِهِ؛ وما يُكْتَبُ بِهِ حَياءُ النّاقَةِ لِئَلّا يُنْزى عَلَيْها؛ والإكْتابُ: شَدَّ رَأْسِ القِرْبَةِ؛ والكَتِيبَةُ: جَماعَةٌ تَكَتَّبُوا؛ أيْ: تَجَمَّعُوا؛ و”تَكَبَّتَ الرَّجُلُ“؛ بِتَقْدِيمِ المُوَحَّدَةِ؛ إذا تَقَبَّضَ؛ ومِنهُ ”الكُتابُ“؛ بِضَمِّ الكافِ؛ وتَخْفِيفِ التّاءِ الفَوْقانِيَّةِ؛ لِسَهْمٍ صَغِيرٍ؛ يَتَعَلَّمُ بِهِ الصِّبْيانُ الرَّمْيَ؛ كَذا قالَ القَزّازُ: إنَّهُ مُخَفَّفٌ؛ وفي القامُوسِ: وزْنُهُ كَـ ”رُمّانٌ“؛ وزادَ أنَّهُ مُدَوَّرُ الرَّأْسِ؛ و”كَتَبْتُ النّاقَةَ تَكْتِيبًا“: صَرَرْتُها؛ و”اكْتَتَبَ بَطْنُهُ“: أمْسَكَ؛ و”المُكْتَوْتِبُ“: المُمْتَلِئُ؛ والمُنْتَفِخُ؛ ويَلْزَمُ الجَمْعُ القَطْعَ والغَلَبَةَ؛ الَّتِي هي مِن لَوازِمِ القُدْرَةِ؛ فَمِنَ القَطْعِ: ”الكِتابُ“؛ بِمَعْنى الفَرْضِ؛ والحُكْمِ؛ والقَدَرِ؛ و”البَتْكُ“: القَطْعُ؛ ولِذَلِكَ قِيلَ لِلسَّيْفِ: باتِكٌ؛ أيْ: قاطِعٌ؛ ومِنَ الغَلَبَةِ والقُدْرَةِ: ”الكِتابُ“؛ بِمَعْنى القَدَرِ؛ قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: و”الكاتِبُ“؛ عِنْدَهُمْ: العالِمُ؛ وقالَ القَزّازُ: و”الكاتِبُ“: الحافِظُ؛ وهَذانَ يَرْجِعانِ أيْضًا إلى نَفْسِ الجَمْعِ - لِجَمْعِ الحافِظِ المَحْفُوظَ؛ والعالِمِ المَعْلُومَ؛ و”كَبَتَ اللَّهُ العَدُوَّ“؛ بِتَقْدِيمِ المُوَحَّدَةِ: صَرَفُهُ ذَلِيلًا؛ وهو مِن ”تَكَبَّتَ الرَّجُلُ“؛ إذا تَقَبَّضَ”؛ وعِبارَةُ (p-٦)القَزّازِ:“كَبَتَ أعْداءَهُ”: رَدَّهم بِغَيْظِهِمْ؛ أيْ: فانْقَمَعُوا؛ وانْجَمَعُوا عَمّا كانُوا انْتَشَرُوا لَهُ؛ و“كَبَتَ الرَّجُلَ”؛ إذا صَرَعَهُ عَلى وجْهِهِ؛ و“بَكَّتَهُ تَبْكِيتًا”؛ إذا أنَّبَهُ؛ أوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا؛ أوْ سَيْفٍ؛ ونَحْوِهِما؛ لِما يَلْزَمُهُ مِن تَصاغُرِ نَفْسِهِ؛ وتَقَبُّضِها. وأمّا“قَرَأ”؛ مَهْمُوزًا - ويَنْقَلِبُ إلى“رَقَأ”؛ و“أرَقَ”؛ و“أقَرَ”-؛ وغَيْرَ مَهْمُوزٍ؛ يائِيًّا؛ وتَراكِيبُهُ خَمْسَةٌ:“قَرَيَ”؛ و“قَيَرَ”؛ و“رَقَيَ”؛ و“رَيَقَ”؛ و“يَرَقَ”؛ وواوِيًّا؛ وتَراكِيبُهُ سِتَّةٌ:“قَرَوَ”؛ و“قَوَرَ”؛ و“رَقَوَ”؛ و“رَوَقَ”؛ و“وقَرَ”؛ و“ورَقَ”؛ فَهو لِلْجَمْعِ أيْضًا؛ ويَلْزَمُهُ الإمْساكُ؛ ورُبَّما كانَ عَنْهُ الِانْتِشارُ؛ فَمِنَ الجَمْعِ:“قَرَأْتُ القُرْآنَ”؛ أيْ: تَلَوْتُهُ؛ فَجَعَلْتُ بَعْضَ حُرُوفِهِ؛ وكَلِماتِهِ؛ وآياتِهِ تالِيًا لِبَعْضٍ؛ مُتَّصِلًا بِهِ؛ مَجْمُوعًا مَعَهُ؛ ويَلْزَمُ القِراءَةَ النُّسُكُ؛ ومِنهُ“القارِئُ”؛ و“المُتَقَرِّئُ”؛ و“القُرّاءُ”- كَـ“رُمّانٌ”-؛ أيْ: النّاسِكُ؛ ويَلْزَمُ عَنْهُ الفِقْهُ؛ ولِذا قِيلَ:“تَقَرَّأ”؛ إذا تَفَقَّهَ؛ وهو مِنَ الجَمْعِ نَفْسِهِ أيْضًا؛ لِأنَّ النّاسِكَ جَمَعَ النُّسُكَ إلى القِراءَةِ؛ وانْجَمَعَ هَمُّهُ؛ والفَقِيهَ جَمَعَ الفِقْهَ إلَيْها؛ قالَ في“المُجْمَلُ”: و“القُرْآنُ”؛ مِن“القَرْءُ”؛ وهو الجَمْعُ؛ أيْ: وزْنًا ومَعْنًى؛ وفي القامُوسِ: و“قَرَأ عَلَيْهِ السَّلامَ”: أبْلَغَهُ؛ كَـ“أقْرَأهُ”؛ ولا يُقالُ: أقْرَأهُ؛ إلّا إذا (p-٧)كانَ السَّلامُ مَكْتُوبًا؛ وقالَ الزُّبَيْدِيُّ؛ في مُخْتَصَرِ“العَيْنُ”: و“قَرَأتِ المَرْأةُ قُرْءًا”؛ إذا رَأتْ دَمًا؛ و“أقْرَأتْ”؛ إذا حاضَتْ؛ فَهي مُقْرِئٌ؛ انْتَهى؛ فَكَأنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ؛ لِأنَّهُ لا يُعْرَفُ أنَّ المَرْأةَ جَمَعَتْهُ إلّا بِرُؤْيَتِهِ؛ وهو مِنَ الِانْتِشارِ؛ الَّذِي قَدْ يَلْزَمُ الجَمْعَ؛ أوْ يَكُونُ“فَعَلَ”هُنا لِلْإزالَةِ؛ فَمَعْناهُ: أزالَتْ إمْساكَ الدَّمِ؛ كَما أنَّ هَذا مَعْنى“أقَرَأتْ”؛ فَإنَّ“فَعَلَ”- لِخِفَّتِهِ وكَثْرَةِ دَوْرِهِ - يَتَصَرَّفُ في مَعانِي جَمِيعِ الأبْوابِ؛ وقالَ في“المُجْمَلُ”: و“أقْرَأتِ المَرْأةُ”: خَرَجَتْ مِن طُهْرٍ إلى حَيْضٍ؛ أوْ حَيْضٍ إلى طُهْرٍ؛ قُلْتُ: فالأوَّلُ يَكُونُ فِيهِ“أفْعَلَ”؛ لِلْإزالَةِ؛ والثّانِي لِلدُّخُولِ في الشَّيْءِ؛ كَما تَقُولُ:“أتْهَمَ الرَّجُلُ؛ وأنْجَدَ”؛ إذا دَخَلَ في“تِهامَةَ”؛ أوْ“نَجْدٍ”؛ قالَ: و“القُرْءُ”: وقْتٌ يَكُونُ لِلطُّهْرِ مَرَّةً؛ ولِلْحَيْضِ مَرَّةً؛ قُلْتُ: فالأوَّلُ لِلْجَمْعِ نَفْسِهِ؛ والثّانِي لِأنَّهُ دَلِيلُ الجَمْعِ؛ قالَ: والجَمْعُ“قُرُوءٌ”؛ ويُقالُ:“القُرْءُ”؛ هو الطُّهْرُ؛ وذَلِكَ أنَّ المَرْأةَ الطّاهِرَةَ كانَ الدَّمُ اجْتَمَعَ وامْتَسَكَ في بَدَنِها؛ فَهو مِن:“قَرَيْتُ الماءَ”؛ و“قَرى الآكِلُ الطَّعامَ في شِدْقِهِ”؛ وقَدْ يَخْتَلِفُ اللَّفْظانِ؛ فَيُهْمَزُ أحَدُهُما؛ ولا يُهْمَزُ الآخَرُ؛ (p-٨)والمَعْنى واحِدٌ؛ إذا كانَ الأصْلُ واحِدًا؛ وقَوْمٌ يَذْهَبُونَ إلى أنَّ القُرْءَ: الحَيْضُ؛ وفي القامُوسِ: والقُرْءُ - ويُضَمُّ -: الحَيْضُ؛ والطُّهْرُ؛ ضِدٌّ - وقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ ذَلِكَ -؛ والوَقْتُ؛ لِأنَّهُ جامِعٌ لِما فِيهِ؛ والقافِيَةُ؛ لِأنَّها جامِعَةٌ لِشَمْلِ الأبْياتِ؛ جَمْعُهُ“أقْرُؤٌ”؛ و“قُرُوءٌ”؛ وجَمْعُ الحَيْضِ“أقْراءٌ”؛ وكَأنَّ العِلَّةَ في ذَلِكَ أنَّهُ لَمّا كانَ جَمْعُ الكَثْرَةِ هو الأصْلَ في الجَمْعِ؛ لِأنَّ المُرادَ بِالجَمْعِ نَفْسِهِ الكَثْرَةُ؛ فَكُلَّما كانَ أكْثَرَ؛ كانَ بِهِ أجْدَرَ؛ لَمّا كانَ الأصْلُ كَذَلِكَ؛ وكانَ“القُرْءُ”؛ بِمَعْنى“الطُّهْرُ”؛ هو الأصْلَ في مَدْلُولِ الجَمْعِ؛ كانَ أحَقَّ بِجَمْعِ الكَثْرَةِ؛ الَّذِي هو أعْرَقُ في الجَمْعِ؛ ولَمّا كانَ“القُرْءُ”؛ بِمَعْنى“الحَيْضُ”؛ فَرْعًا؛ كانَ لَهُ جَمْعُ القِلَّةِ؛ الَّذِي هو فَرْعٌ في بابِ الجَمْعِ؛ و“أقْرَأتْ”: حاضَتْ؛ وطَهُرَتْ؛ و“أقْرَأتِ الرِّياحُ”: هَبَّتْ لِوَقْتِها؛ لِأنَّ هُبُوبَها دالٌّ عَلى اجْتِماعِها؛ كَظُهُورِ دَمِ الحَيْضِ؛ و“قَرَأ الشَّيْءَ”: جَمَعَهُ؛ وضَمَّهُ؛ والحامِلُ: ولَدَتْ؛ لِأنَّ ظُهُورَ الوَلَدِ هو المُحَقِّقُ لِجَمْعِها إيّاهُ في بَطْنِها؛ و“أقْرَأ”: رَجَعَ؛ ودَنا؛ وأخَّرَ؛ واسْتَأْخَرَ؛ وغابَ؛ وانْصَرَفَ؛ (p-٩)وتَنَسَّكَ كَـ“تَقَرَّأ”؛ بَعْضُهُ لِلْإيجابِ؛ وبَعْضُهُ لِلسَّلْبِ؛ و“المُقَرَّأةُ”؛ كَـ“مُعَظَّمَةٌ”: الَّتِي يُنْتَظَرُ بِها انْقِضاءُ أقْرائِها؛ و“قَدْ قُرِئَتْ”: حُبِسَتْ لِذَلِكَ؛ و“أقْراءُ الشِّعْرِ”: أنْواعُهُ؛ وأنْحاؤُهُ؛ لِأنَّها جامِعَةٌ لِلْأجْزاءِ؛ و“القِرْءَةُ”؛ بِالكَسْرِ: الوَباءُ؛ لِجَمْعِهِ الهَمَّ؛ و“اسْتَقْرَأ الجَمَلُ النّاقَةَ”: تارَكَها لِيَنْظُرَ ألَقُحَتْ أمْ لا؛ مِنَ التَّتَبُّعِ؛ والسَّبْرِ؛ وهو بِمَعْنى جَمْعِ الأدِلَّةِ؛ و“قَرَأتِ النّاقَةُ”؛ إذا حَمَلَتْ؛ فَهي قارِئٌ؛ أيْ: جَمَعَتْ في بَطْنِها ولَدًا؛ و“أقْرَأتْ”؛ إذا اسْتَقَرَّ الماءُ في رَحِمِها؛ ومِنَ الإمْساكِ:“رَقَأ الدَّمُ؛ والدَّمْعُ؛ رُقُوءًا”؛ إذا انْقَطَعا؛ قالَ أبُو زَيْدٍ: و“الرَّقُوءُ”؛ أيْ: بِالفَتْحِ: ما يُوضَعُ عَلى الدَّمِ فَيَسْكُنُ؛ و“رَقَأ بَيْنَهُمْ”: أصْلَحَ؛ وأفْسَدَ؛ وفي الدَّرَجَةِ: صَعِدَ؛ وهي المَرْقاةُ؛ وتُكْسَرُ؛ و“رَقَأ العَرَقُ”: ارْتَفَعَ؛ مِنهُ ما هو بِمَعْنى الجَمْعِ؛ ومِنهُ ما هو بِمَعْنى الِانْتِشارِ والعُلُوِّ؛ الَّذِي رُبَّما لَزِماهُ؛ ومِنَ الإمْساكِ:“الأرَقُ”؛ وهو السَّهَرُ؛ لِأنَّهُ يُمْسِكُ النَّوْمَ؛ والإرْقانُ: دُودٌ يَكُونُ في الزَّرْعِ؛ فَكَأنَّهُ يُوجِبُ الهَمَّ؛ الَّذِي يَكُونُ عَنْهُ الأرَقُ؛ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنَ الِانْتِشارِ؛ الَّذِي (p-١٠)رُبَّما يَلْزَمُ الجَمْعَ؛ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنَ الجَمْعِ نَفْسِهِ؛ لِأنَّهُ يَجْمَعُ الهَمَّ - واللَّهُ أعْلَمُ؛ وفي القامُوسِ: و“الإرْقانُ”؛ بِالكَسْرِ: شَجَرٌ أحْمَرُ؛ والحِنّاءُ؛ والزَّعْفَرانُ؛ ودَمُ الأخَوَيْنِ؛ كَأنَّهُ سَبَبٌ لِلْعُكُوفِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِرْواحِ إلَيْهِ؛ أوْ أنَّهُ يَجْمَعُ بِصَبْغِهِ لَوْنًا إلى لَوْنٍ؛ و“الإرْقانُ”؛ أيْضًا: آفَةٌ تُصِيبُ الزَّرْعَ؛ والنّاسَ؛ كَـ“الأرَقانُ”؛ مُحَرَّكَةً؛ وبِكَسْرَتَيْنِ؛ وبِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ وضَمِّ الرّاءِ؛ و“الأرَقُ”؛ و“الأرَقانُ”؛ بِفَتْحِهِما؛ و“الأُراقُ”؛ كَـ“غُرابٌ”؛ و“اليَرَقانُ”؛ مُحَرَّكَةً؛ وهَذِهِ أشْهَرُ داءٍ يَتَغَيَّرُ مِنهُ لَوْنُ البَدَنِ فاحِشًا إلى صُفْرَةٍ؛ أوْ سَوادٍ؛ كَأنَّ ذَلِكَ لَمّا كانَ سَبَبَ الأرَقِ كانَ هو الأرَقَ البَلِيغَ؛ و“زَرْعٌ مَأْرُوقٌ؛ ومَيْرُوقٌ”: مَؤُوفٌ؛ و“الأُقُرُ”؛ بِضَمَّتَيْنِ: وادٍ واسِعٌ مَمْلُوءٌ حِمْضًا ومِياهًا؛ وهو واضِحٌ في مَعْنى الجَمْعِ؛ قَدْ مَضى مِن هَذِهِ المادَّةِ جُمْلَةٌ في آخِرِ سُورَةِ“يُوسُفَ”- عَلَيْهِ السَّلامُ - عِنْدَ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ مِن أهْلِ القُرى﴾ [يوسف: ١٠٩]؛ وتَأْتِي بَقِيَّتُها - إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى) - في سُورَةِ“سُبْحانَ"؛ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وفِي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ [الإسراء: ٤٦]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب