الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مَن حَثٍّ عَلى شَيْءٍ وأثابَ عَلَيْهِ أوْ [نَهى] عَنْهُ وعاقَبَ عَلى فِعْلِهِ يَكُونُ لِغَرَضٍ [لَهُ]، بَيَّنَ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ [مُتَعالٍ] عَنْ أنْ يُلْحِقَهُ ضُرٌّ أوْ نَفْعٌ، وأنَّ ضُرَّ ذَلِكَ ونَفْعَهُ [خاصٌّ بِالعَبْدِ] فَقالَ تَعالى حاكِيًا عَنْهُ: ﴿وقالَ مُوسى﴾ مُرْهِبًا لَهم مُعَلِّمًا أنَّ وبالَ الكُفْرانِ خاصٌّ بِصاحِبِهِ ﴿إنْ تَكْفُرُوا﴾ والكَفْرُ: تَضْيِيعُ حَقِّ النِّعْمَةِ بِجَحْدِها أوْ ما يَقُومُ في العَظْمِ مَقامِهِ ﴿أنْتُمْ ومَن في الأرْضِ﴾ وأكَّدَ بِقَوْلِهِ: ”جَمِيعًا“ فَضَرَرُهُ لاحِقٌ بِكم خاصَّةً غَيْرَ عائِدٍ عَلى اللَّهِ شَيْءٍ مِنهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْظَمَ ﴿لَغَنِيٌّ﴾ أيْ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ عَنْ كُلِّ أحَدٍ، والغِنى هُنا المُخْتَصُّ بِما يَنْفِي لَحاقَ الضَّرَرِ أوِ النَّقْصِ، والمُخْتَصُّ بِأنَّهُ قادِرٌ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، عالِمٌ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وذَلِكَ بِنَفْسِهِ [لا بِشَيْءٍ] سِواهُ، ومَن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا ﴿حَمِيدٌ﴾ أيْ بَلِيغُ الِاسْتِحْقاقِ لِلْحَمْدِ بِما لَهُ مِن عَظِيمِ النِّعَمِ وبِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ، وكُلُّ مَخْلُوقٍ يَحْمَدُهُ بِذاتِهِ وأفْعالِهِ وجَمِيعِ أقْوالِهِ كائِنَةً ما كانَتْ، لِأنَّ إيجادَهُ لَها ناطِقٌ (p-٣٨٦)بِحَمْدِهِ سُبْحانَهُ.
ذَكَرَ التَّأذُّنَ بِذَلِكَ المُذْكَرِ بِهِ مِنَ التَّوْراةِ:
قالَ في السِّفْرِ الخامِسِ: واخْتارَكُمُ اللَّهُ رَبُّكم أنْ تَكُونُوا لَهُ شَعْبًا حَبِيبًا مِن جَمِيعِ الشُّعُوبِ [الَّتِي عَلى وجْهِ الأرْضِ، ولَيْسَ لِأنَّكم أكْثَرُ مِن جَمِيعِ الشُّعُوبِ] أحَبَّكُمُ الرَّبُّ واخْتارَكُمْ، ولَكِنْ لِيُثَبِّتَ الأيْمانَ الَّتِي أقْسَمَ لِآبائِكُمْ، لِذَلِكَ أخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ مَنِيعَةٍ، وأنْقَذَكم مِنَ العُبُودِيَّةِ، وخَلَّصَكم مِن يَدَيْ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ رَبُّكم هو إلَهُ الحَقِّ، إلَهٌ مُهَيْمِنٌ يَحْفَظُ النِّعْمَةَ والعَهْدَ لِأوْلِيائِهِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وصِيَّتَهُ لِألْفِ حُقُبٍ، ويُكافِئُ شِنْأتَهُ في حَياتِهِمْ ويَجْزِيهِمْ بِالهَلاكِ والتَّلَفِ، احْفَظُوا السُّنَنَ والأحْكامَ والوَصايا الَّتِي آمُرُكم بِها اليَوْمَ فافْعَلُوها يَحْفَظُ اللَّهَ الرَّبُّ العَهْدَ والنِّعْمَةَ الَّتِي أقْسَمَ لِآبائِكُمْ، ويُحِبُّكم ويُبارِكُ عَلَيْكم ويُكْثِرُكُمْ، ويُبارِكُ في أوْلادِكم وفي ثَمَرَةِ أرْضِكم وفي بَرِّكم وخُبْزِكم وزَيْتِكُمْ، وفِيَّ أقْطاعِ بَقَرِكم وجُفُراتِ غَنَمِكُمْ، وتَكُونُوا (p-٣٨٧)مُبارَكِينَ مِن جَمِيعِ الشُّعُوبِ، ولا يَكُونُ فِيكم عاقِرٌ ولا عَقِيمٌ و[لا] في بَهائِمِكُمْ، ويَصْرِفُ اللَّهُ عَنْكم كُلَّ وجَعٍ، وجَمِيعُ الضَّرَباتِ الَّتِي أنْزَلَ اللَّهُ بِأهْلِ مِصْرَ - كَما تَعْلَمُونَ - لا يُنْزِلُها [بِكُمْ] بَلْ يُنْزِلُها بِجَمِيعِ شَنِأتِكُمٍ، وتَأْكُلُونَ جَمِيعَ خَيْراتِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، ولا تُشْفِقُ أعْيُنُكم عَلَيْهِمْ، ولا تَعْبُدُوا آلِهَتَهم لِأنَّهم فِخاخٌ لَكُمْ، وإنْ قُلْتُمْ في قُلُوبِكُمْ: إنَّ هَذِهِ الشُّعُوبَ أكْثَرَ مِنّا فَكَيْفَ نُقَدِّرُ أنْ نُهْلِكَها! فَلا تُفَرِّقُوا مِنها ولَكِنِ اذْكُرُوا جَمِيعَ ما صَنَعَ اللَّهُ رَبُّكم بِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وكُلِّ أصْحابِهِ، والبَلايا العَظِيمَةَ الَّتِي رَأيْتُمْ بِأعْيُنِكُمْ، والآياتِ والأعاجِيبَ واليَدَ المَنِيعَةَ والذِّراعَ العَظِيمَةَ، وكَيْفَ أخْرَجَكُمُ [اللَّهُ] رَبُّكُمْ! كَذَلِكَ يَفْعَلُ اللَّهُ رَبُّكم بِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَخافُونَها.
ويُسَلِّطُ اللَّهُ رَبُّكم عَلَيْهِمْ عاهاتٍ حَتّى يُهْلِكَهُمْ، والَّذِينَ يَبْقَوْنَ ويَخْتَفُونَ مِنكم لا تَخافُوهم لِأنَّ اللَّهَ رَبَّكم بَيْنَكُمُ. الإلَهُ العَظِيمُ المَرْهُوبُ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ رَبُّكم هَذِهِ الشُّعُوبَ مِن بَيْنِ أيْدِيكم رُوَيْدًا رُوَيْدًا، لِأنَّكم لا تَقْوَوْنَ [أنْ تُهْلِكُوهُمْ] سَرِيعًا لِئَلّا يَكْثُرُ السِّباعُ، ولَكِنْ (p-٣٨٨)يَدْفَعُهُمُ اللَّهُ رَبُّكم إلَيْكم وتَضْرِبُونَهم ضَرْبَةً شَدِيدَةً حَتّى تُهْلِكُوهُمْ، ويَدْفَعَ مُلُوكَهم في أيْدِيكم وتُهْلِكُونَ أسْماءَهم مِن تَحْتِ السَّماءِ، لا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَقُومَ بَيْنَ أيْدِيكم حَتّى تُهْلِكُوهم وتَحْرِقُوا آلِهَتَهُمُ المَنحُوتَةَ بِالنّارِ، ولا تَشْتَهُوا الفِضَّةَ والذَّهَبَ الَّذِي عَلَيْها وتَأْخُذُوهُ مِنها لِئَلّا تَتَنَجَّسُوا بِها، لِأنَّها مَرْذُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ رَبِّكُمْ، فَلا تُدْخِلُوا نَجاسَةً إلى بُيُوتِكم لِئَلّا تَكُونُوا مَنفِيِّينَ مِثْلَها، ولَكِنْ أرْذِلُوها ونَجَّسُوها وصَيِّرُوها نُفايَةً بَخْسَةً لِأنَّها حَرامٌ. ثُمَّ [قالَ]: انْظُرُوا!إنِّي أتْلُو عَلَيْكم دُعاءً ولَعْنًا، أمّا الدُّعاءُ فَتَصِيرُونَ إلَيْهِ إنْ أنْتُمْ حَفِظْتُمْ وصايا [اللَّهِ] رَبِّكُمْ، وأمّا اللَّعْنُ فَيُدْرِكَكم إنْ أنْتُمْ لَمَّ تَسْمَعُوا وصايا اللَّهِ رَبِّكُمْ، وزِغْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أمَرَكم بِهِ اليَوْمَ - وقَدْ مَضى كَثِيرٌ مِن أمْثالِ هَذا عَنِ التَّوْراةِ، ولا رَيْبَ في أنَّ هَذا التَّرْغِيبَ والتَّرْهِيبَ والتَّذْكِيرَ لِلتَّحْذِيرِ كَما أنَّهُ كانَ لِبَنِي إسْرائِيلَ، فَهو لِكُلٍّ مِن سَمْعِهِ مِنَ المُكَلَّفِينَ.
{"ayah":"وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِن تَكۡفُرُوۤا۟ أَنتُمۡ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











