الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما أمَرَ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانَ قَدْ تَقَدَّمَ أمْرُهُ في الشَّرِيفِ إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ بِالِاقْتِداءِ بِالأنْبِياءِ الَّذِينَ هو مِن رُؤُوسِهِمْ وأُولِي عَزْمِهِمْ، [كانَ] كَأنَّهُ قِيلَ: فَبَيِّنْ أنْتَ لِلنّاسِ ما نَزَلْ إلَيْهِمْ وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ اقْتِداءً بِأخِيكَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ”و“ اذْكُرْ لَهم خَبَرَهُ فَإنَّ أيّامَهُ مِن أعْظَمِ أيّامِ اللَّهِ: أشَدُّها مِحْنَةً وأجَلُّها مِنحَةً ﴿وإذْ قالَ مُوسى﴾ امْتِثالًا لِما أمَرْناهُ بِهِ ﴿لِقَوْمِهِ﴾ مُذَكِّرًا لَهم بِأيّامِ اللَّهِ مَعَهم ثُمَّ أيّامِهِ مَعَ غَيْرِهِمْ. (p-٣٨٣)ولَمّا كانَ المُرادُ بِالتَّذْكِيرِ بِالأيّامِ زِيادَةَ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ، أشارَ إلى [أنَّ] مَقامَ التَّرْهِيبِ هُنا أهَمُّ لِلْحَثِّ عَلى تَرْكِهِمُ الضَّلالَ بِتَرْكِ عادَتِهِ في التَّرَفُّقِ بِمِثْلِ ما في [البَقَرَةِ والمائِدَةِ] مِنَ الِاسْتِعْطافِ بِعاطِفَةِ الرَّحِمِ بِقَوْلِهِ: ”يا قوم“ فَأسْقَطَها هُنا إشارَةً إلى أنَّ المَقامَ يَقْتَضِي الإبْلاغَ في الإيجازِ في التَّذْكِيرِ لِلْخَوْفِ مِن مُعاجَلَتِهِمْ بِالعَذابِ فَقالَ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ أيْ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ، وعَبَّرَ بِالنِّعْمَةِ عَنِ الإنْعامِ حَثًّا عَلى الِاسْتِدْلالِ بِالأثَرِ عَلى المُؤَثِّرِ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ ثُمَّ أبْدَلَ مِن ”نِعْمَةِ“ قَوْلِهِ: ”إذْ“ وهو ظَرْفُ النِّعْمَةِ. ولَمّا كانُوا قَدْ طالَ صَبْرُهم جِدًّا بِما طالَ مِن بَلائِهِمْ مِن فِرْعَوْنَ عَلى وجْهٍ لا يُمْكِنُ في العادَةِ خَلاصُهم مِنهُ، وإنْ أمْكَنَ عَلى بُعْدٍ لَمْ يَكُنْ إلّا في أزْمِنَةٍ طِوالٍ جِدًّا بِتَعَبٍ شَدِيدٍ، أشارَ إلى إسْراعِهِ بِخَلاصِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَوْ جَرى عَلى مُقْتَضى العادَةِ جَزاءً لَهم عَلى طُولِ صَبْرِهِمْ، فَعَبَّرَ بِالإفْعالِ دُونَ التَّفْعِيلِ الَّذِي اقْتَضاهُ سِياقُ البَقَرَةِ فَقالَ:﴿أنْجاكم مِن﴾ بَلاءٍ ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أيْ فِرْعَوْنَ نَفْسِهِ وأتْباعِهِ اسْتِعْمالًا لِلْمُشْتَرِكِ في مَعْنَيَيْهِ، فَإنَّ الآلَ عَلى الشَّخْصِ نَفْسِهِ وعَلى أهْلِ الرَّجُلِ وأتْباعِهِ (p-٣٨٤)وأوْلِيائِهِ؛ قالَ في القامُوسِ: ولا يُسْتَعْمَلُ إلّا لِما فِيهِ شَرَفٌ غالبًا، فَكَأنَّهم قالُوا: مَن أيِّ بَلائِهِمْ؟ فَقالَ: ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ أيْ يُكَلِّفُونَكم ويُوَلُّونَكم عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهانَةِ والقَهْرِ ﴿سُوءَ العَذابِ﴾ بِالِاسْتِعْبادِ. ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلصَّبْرِ البَلِيغِ، اقْتَضى ذَلِكَ العَطْفَ في قَوْلِهِ: ﴿ويُذَبِّحُونَ﴾ أيْ تَذْبِيحًا كَثِيرًا مُمِيتًا - بِما أفادَهُ تَعْبِيرُ الأعْرافِ بِالقَتْلِ، ومُعَرَّفًا بِإعادَةِ التَّعْبِيرِ بِالذَّبْحِ أنَّ المَوْتَ بِالسِّكِّينِ ﴿أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ﴾ أيْ يَطْلُبُوا أنْ يَحْيَوْا ﴿نِساءَكُمْ﴾ لِإفادَةِ أنَّ ذَلِكَ بَلاءً آخَرَ ”و“ الحالُ أنَّ ﴿فِي ذَلِكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٩] أيِ الأمْرِ الشَّدِيدِ المَشَقَّةِ مِنَ العَذابِ [المُتَقَدِّمِ] أوِ الإنْجاءِ أوْ هُما ﴿بَلاءٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ أيِ المُرَبِّي لَكُمُ المُدَبِّرُ لِأُمُورِكم ﴿عَظِيمٌ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب