الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضى المَأْمُورُ بِهِ مِنَ القَوْلِ لِكافِرِ النِّعْمَةِ وشاكِرِها وسَبَبِ ذَلِكَ والدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وبانَ أنَّهُ خالِقُ المَوْجُوداتِ كُلِّها ورَبِّها، فَلا يَصْحُ أصْلًا أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنها شَرِيكًا. أمَرَهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ أنْ يُذَكِّرَهم بِأيّامِ اللَّهِ عِنْدَ أبِيهِمْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلدَّلالَةِ عَلى تَبْدِيلِهِمُ النِّعْمَةَ ظُلْمًا مِنهم وكُفْرًا، في أُسْلُوبٍ دالٍّ عَلى البَعْثِ، مُشِيرًا إلى وُجُوبِ بَراءَتِهِمْ مِنَ الأصْنامِ حَيْثُ كانَ مَحَطُّ حالِهِمْ فِيها تَقْلِيدَ الآباءِ وهو (p-٤٢٤)أعْظَمُ آبائِهِمْ، وإلى ما سَنَّهُ لَهم مِن إقامَتِهِمُ الصَّلاةَ وشُكْرِهِمْ لِنِعَمِهِ بِالإنْفاقِ وغَيْرِهِ، فَقالَ ناعِيًا عَلَيْهِمْ - مَعَ المُخالَفَةِ لِصَرِيحِ العَقْلِ وقاطِعِ النَّقْلِ عُقُوقِ أبِيهِمُ الأعْظَمِ، عَطْفًا عَلى ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [إبراهيم: ٣١] أوْ عَلى ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٦] ﴿وإذْ﴾ أيْ واذْكُرْ لَهم مُذَكِّرًا بِأيّامِ اللَّهِ خَبَرَ إبْراهِيمَ إذْ ﴿قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ﴾ أيْ أيُّها المُحْسِنُ إلَيَّ بِإجابَةِ دُعائِي في جَعْلِ القَفْرِ الَّذِي وضَعَتْ بِهِ ولَدِي بَلَدًا عَظِيمًا. ولَمّا كانَ السِّياقُ لِإخْراجِ الرُّسُلِ مِن مَحالِّهِمْ، وكانَ ذَلِكَ مُفْهِمًا لِأنَّ المَحَلَّ الَّذِي يَقَعُ الإخْراجُ مِنهُ بَلَدٌ يَسْكُنُ فِيهِ، واتَّبَعَهُ سُبْحانَهُ بِأنَّ المُتَعَرِّضِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ - بِما أسْكَنَ فِيهِ مِنَ الأمْنِ بَعْدَ جَعْلِهِ لَهُ بَلَدًا - بِما أحْدَثُوا فِيهِ مِنَ الإخافَةِ لِخَيْرِ أهْلِهِ، ومِنَ الإنْذارِ لِمَن أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ ما فِيهِ مِنَ الخَيْرِ، كانَ الأنْسَبُ تَعْرِيفَهُ فَقالَ: ﴿اجْعَلْ هَذا البَلَدَ﴾ [أيِ] الَّذِي يُرِيدُونَ إخْراجَ الرَّسُولِ مِنهُ ﴿آمِنًا﴾ أيْ ذا أمْنٍ بِأمانِ أهْلِهِ، وكَأنَّ هَذا الدُّعاءَ صَدَرَ مِنهُ بَعْدَ أنْ سَكَنَ النّاسُ مَكَّةَ وصارَتْ مَدِينَةً، والَّذِي في البَقَرَةِ كانَ حَيْثُ وضَعَ ابْنُهُ مَعَ أُمِّهِ وهي خالِيَةٌ عَنْ ساكِنٍ، فَدَعا أنْ يَجْعَلَها اللَّهُ بَلَدًا، وأنْ يَجْعَلَها بَعْدَ ذَلِكَ مَوْصُوفَةً (p-٤٢٥)بِالأمْنِ، وهو سُكُونُ النَّفْسِ إلى زَوالِ الضُّرِّ. ولَمّا دَعا بِالأمْنِ مِن فَسادِ الأمْوالِ والأبْدانِ، أتْبَعَهُ بِالدُّعاءِ بِالأمْنِ [مِن] فَسادِ الأدْيانِ، فَقالَ: ﴿واجْنُبْنِي﴾ أيِ اصْرِفْنِي ﴿وبَنِيَّ﴾ أيْ لِصُلْبِي، وأسْقَطَ البَناتَ إشارَةً إلى الِاسْتِقْلالِ، وإنَّما هُنَّ تابِعاتٌ دائِمًا ﴿أنْ نَعْبُدَ﴾ أيْ عِبادَةً مُسْتَمِرَّةً تَكُونُ مُوجِبَةً لِلنّارِ ﴿الأصْنامَ﴾ أيِ اجْعَلْنا في جانِبٍ غَيْرِ جانِبِ عِبادَتِها، والصَّنَمُ: المَنحُوتُ عَلى خِلْقَةِ البَشَرِ، [وما كانَ مَنحُوتًا عَلى غَيْرِ خِلْقَةِ البَشَرِ] فَهو وثَنٌ - قالَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب