الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ كُفْرَهم وضَلالَهم عَنِ السَّبِيلِ وما أمَرَهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ بِأنْ يَقُولَ لَهُمْ، وكانَ ذَلِكَ مُحَرِّكًا لِنَفْسِ السّامِعِ إلى الوُقُوفِ عَلى ما يُقالُ لِمَن خَلَعَ الأنْدادَ وكانَ أوْثَقَ عُرى السَّبِيلِ بَعْدَ الإيمانِ وأعَمَّها الصَّلاةُ النّاهِيَةُ عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ، والنَّفَقَةِ الشّامِلَةِ لِوُجُوهِ البِرِّ، أمَرَهُ تَعالى أنْ يَنْدُبَ أوْلِياءَهُ إلى الإقْبالِ إلى [ما] أعْرَضَ [عَنْهُ] أعْداؤُهُ، والإعْراضُ عَمّا أقْبَلُوا بِالتَّمَتُّعِ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ، فَقالَ ﴿قُلْ لِعِبادِيَ﴾ فَوَصَفَهم بِأشْرَفِ أوْصافِهِمْ، وأضافَهم إلى ضَمِيرِهِ الشَّرِيفِ تَحْبِيبًا لَهم فِيهِ، ثُمَّ أتْبَعَ هَذا الوَصْفَ ما يُناسِبُهُ مِن إذْعانِهِمْ لِسَيِّدِهِمْ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أوْجَدُوا هَذا الوَصْفَ. ولَمّا كانَ قَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ أحْسَنَ قَوْلٍ، فَهو جالٍ لِصَدَأِ القُلُوبِ، ومُوجِبٌ لِتَهْذِيبِ النُّفُوسِ، قالَ جازِمًا: ﴿يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ الَّتِي هي زَكاةُ القُوَّةِ وصِلَةُ العَبْدِ بِرَبِّهِ ﴿ويُنْفِقُوا﴾ وخَفَّفَ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿مِمّا رَزَقْناهُمْ﴾ [أيْ] بِعَظَمَتِنا، فَهو لَنا (p-٤١٩)دُونَهُمْ، مِن أنْواعِ النَّفَقاتِ المُقَيِّمَةِ لِشَرائِعِهِ مِنَ الصَّدَقاتِ وغَيْرِها، إتْقانًا لِما بَيْنَهم وبَيْنَهُ [مِنَ الأسْبابِ] لِيُنْقِذُوا أنْفُسَهم مِنَ النّارِ، واقْتَصَرَ عَلى هاتَيْنِ الخَلَّتَيْنِ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ في مَكَّةَ غَيْرُهُما مَعَ ما تَقَدَّمَ مِن فَضْلِهِما وعُمُومِهِما، ولَعَلَّهُ سِيقَ سِياقَ الشَّرْطِ تَنْبِيهًا [لَهُمْ] عَلى أنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ أقْوى الأسْبابِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إلّا يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ أصْلًا؛ ثُمَّ أشارَ إلى المُداوَمَةِ عَلى هاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿سِرًّا وعَلانِيَةً﴾ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالسِّرِّ النّافِلَةِ، وبِالعَلانِيَةِ الفَرْضُ؛ ثُمَّ رَهَّبَ مَن تَهاوَنَ في خِدْمَتِهِ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي كانَ الإعْراضُ [عَنْهُ] سَبَبَ الضَّلالِ، فَقالَ مُشِيرًا بِالجارِّ إلى قِصَرِ مُدَّةِ أعْمالِهِمْ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ أيْ عَظِيمٌ جِدًّا لَيْسَ هو كَشَيْءٍ مِنَ الأيّامِ الَّتِي تَعْرِفُونَها ﴿لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ لِأسِيرٍ بِفِداءٍ ﴿ولا خِلالٌ﴾ أيْ مُخالّاتٍ [ومُوادّاتٍ] يَكُونُ عَنْها شَفاعَةٌ أوْ نَصْرٌ، جَمْعُ خِلَّةٍ كَقِلَّةٍ وقِلالٍ، أوْ هو مَصْدَرٌ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لا يَكُونُ شَيْءٌ مِنهُما سَبَبًا لِخَلاصِ هالِكٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب