الباحث القرآني

فَلَمّا بَرَزَ الكَلامُ إلى هَذَيْنَ المِثالَيْنِ، حَصَلَ التَّعَجُّبُ مِمَّنْ يَتْرُكُ مَمْثُولَ الأوَّلِ ويَفْعَلُ مَمْثُولَ الثّانِي، فَوَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ ذَلِكَ بِفِعْلِ القاهِرِ، فَقالَ تَعالى - جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ [قالَ]: إنَّ هَذا الصَّرِيحَ الحَقُّ، ثُمَّ إنّا نَجِدَ النُّفُوسَ مائِلَةً إلى الضَّلالِ، وطائِشَةً في أرْجاءِ المَحالِّ، فَكَيْفَ لَنا بِالِامْتِثالِ؟ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الجَلالُ والجَمالُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (p-٤١٥)أيْ أوْجَدُوا هَذِهِ الحَقِيقَةَ ولَوْ عَلى أقَلِّ دَرَجاتِها ﴿بِالقَوْلِ الثّابِتِ﴾ أيِ الَّذِي [هُوَ] مُتابَعَةُ الدَّلِيلِ ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ بِمِثْلِ ما تَقَدَّمَ مِن مُحاوَلاتِ أنْبِيائِهِ ﴿وفِي الآخِرَةِ﴾ ويَهْدِيهِمْ عِنْدَ كُلِّ سُؤالٍ إلى أحْسَنِ الأقْوالِ حَيْثُ تَطِيشُ العُقُولُ وتُدْهَشُ الأفْكارُ لِشِدَّةِ الأهْوالِ ﴿ويُضِلُّ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿الظّالِمِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينِ في الظُّلْمِ، ويُزَلْزِلُهم لِتَقَلُّبِهِمْ في الظُّلُماتِ الَّتِي مِن شَأْنِ صاحِبِها الضَّلالُ والخَبْطُ، فَيَفْعَلُونَ ما لا يَرْضاهُ عاقِلٌ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الثَّباتَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى ضِدِّهِ ثانِيًا، والإضْلالُ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى الهُدى أوَّلًا ﴿ويَفْعَلُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ، فَلا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ ﴿ما يَشاءُ﴾ لِأنَّ الكُلَّ بِحُكْمِهِ وقَضائِهِ وهو القادِرُ القاهِرُ، فَلا يَتَعَجَّبُ مِن شَيْءٍ، وفي هَذا إرْشادٌ إلى الإقْبالِ عَلَيْهِ وإلْقاءُ أزِمَّةِ الِافْتِقارِ إلَيْهِ؛ رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ وغَيْرِهِ ومُسْلِمٌ في أواخِرِ صِفَةِ الجَنَّةِ والنّارِ عَنِ البَراءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قالَ: ”المُسْلِمُ إذا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أنَّ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ“، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ﴾ الآيَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب