الباحث القرآني
ولَمّا ثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ قُدْرَتَهُ عَلى الإعادَةِ بَعْدَ المَوْتِ، عَطَفَ عَلى قَوْلِهِ: ﴿لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] قَوْلَهُ - بَيانًا لَهو أنَّ البَعْثَ عِنْدَهُ وسُهُولَتَهُ عَلَيْهِ -: ﴿وبَرَزُوا﴾ أيْ في ذَلِكَ اليَوْمِ، عَبَّرَ بِصِيغَةِ المُضِيِّ الَّذِي وُجِدَ وتَحَقَّقَ، لِأنَّ أخْبارَ المُلُوكِ يَجِبُ تَحَقُّقُها لِقُدْرَتِهِمْ وغِناهم عَنِ الكَذِبِ، فَكَيْفَ بِمَلِكِ المُلُوكِ! وفِيهِ مِن هَزِّ النَّفْسِ ورَوْعَتِها ما لَيْسَ في العِبارَةِ بِالمُضارِعِ لِمَن تَأمَّلَ المَعْنى حَقَّ التَّأمُّلُ ”لِلَّهِ“ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ ﴿جَمِيعًا﴾ فَكانُوا بِحَيْثُ لا يَخْفى مِنهم خافِيَةً عَلى ما هو مُتَعارِفُهُمْ، لِأنَّهُ لا ساتِرَ لَهُمْ، فَإنَّ البُرُوزَ خُرُوجٌ لِشَيْءٍ عَمّا كانَ مُلْتَبِسًا بِهِ إلى حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ الحِسُّ في نَفْسِهِ، وبَدا لَهم [مِنَ اللَّهِ] ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ مِنَ العَذابِ، فَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ ﴿فَقالَ الضُّعَفاءُ﴾ أيِ الأتْباعُ (p-٤٠٤)مِن أهْلِ الضَّلالِ بِسَبَبِ عِلْمِهِمْ أنَّهم في القَبْضَةِ لا مَلْجَأ لَهُمْ، تَبْكِيتًا لِرُؤَسائِهِمْ [وتَوْبِيخًا]، تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧] ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ أيْ طَلَبُوا الكِبْرَ وادَّعَوْهُ فاسْتَتْبَعُوهم بِهِ حَتّى تَكَبَّرُوا عَلى الرُّسُلِ وأتْباعِهِمْ ولَمْ يَكُنْ لَهم ذَلِكَ.
﴿إنّا كُنّا﴾ أيْ كَوْنًا هو كالجِبِلَّةِ ﴿لَكم تَبَعًا﴾ أيْ تابِعِينِ أوْ ذَوِي تُبَّعٍ فَكُنْتُمْ سَبَبَ ضَلالِنا، وقَدْ جَرَتْ عادَةُ الأكابِرِ بِالدَّفْعِ عَنْ أتْباعِهِمُ المُساعِدِينَ لَهم عَلى أباطِيلِهِمْ ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ﴾ أيْ دافِعُونَ ﴿عَنّا مِن عَذابِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها فَلا يُطاقُ انْتِقامُهُ، وأبْلَغُوا بَعْدَ التَّبْعِيضِ بِـ ”مِنَ“ الأُولى في التَّقْلِيلِ، فَقالُوا: ﴿مِن شَيْءٍ﴾ كَأنَّ العَذابَ [كانَ] مُحْتاجًا إلى أخْذِهِمْ فَأغْنَوْهُ بِشَيْءِ غَيْرِهِمْ حَتّى يُجاوِزَهم لَوْ دَفَعُوهُ عَنْهُمْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنْ ذَلِكَ لِعادَةِ الرُّؤَساءِ، فَماذا قالُوا؟ فَقِيلَ: ﴿قالُوا﴾ عِلْمًا مِنهم بِأنَّهُ لا طاقَةَ لَهم عَلى نَوْعٍ مِن أنْواعِ التَّصَرُّفِ: لا نُغْنِي عَنْكم شَيْئًا، بَلْ كُلٌّ مُجْزِي بِما فَعَلَ، عَلَيْنا إثْمُ ضَلالِنا في أنْفُسِنا وإضْلالِنا لَكُمْ، وعَلَيْكم ضَلالُكم وذَبُّكُمُ عَنّا وتَقْوِيَتُكم لِجانِبِنا حَتّى اسْتَكْبَرْنا (p-٤٠٥)فاسْتَغْرَقْنا في الضَّلالِ، ولَوْ أنَّ [اللَّهَ] هَداكم حَتّى تَبِعْتُمُ الأدِلَّةَ الَّتِي سَمِعْتُمُوها كَما سَمِعْناها وتَرَكْتُمُونا، لَكَسَرَ ذَلِكَ مِن شِدَّتِنا وأوْهى مِن شَوْكَتِنا، فَكانَ رُبَّما يَكُونُ سَبَبًا لِهِدايَتِنا كَما أنَّهُ ﴿لَوْ هَدانا اللَّهُ﴾ أيِ المُسْتَجْمِعُ لِصِفاتِ الكَمالِ ﴿لَهَدَيْناكُمْ﴾ فَكانَ يَكُونُ لَنا جَزاءَ اهْتِدائِنا وهِدايَتِنا لَكُمْ، ولَكم جَزاءُ اهْتِدائِكم وتَقْوِيَتِكم لَنا عَلى ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَهْدِنا فَضَلَلْنا وكُنْتُمْ لَنا تُبَّعًا فَأضْلَلْناكم.
ولَمّا كانَ المُوجِبُ لِقَوْلِهِمْ هَذا الجَزَعَ، قالُوا: ﴿سَواءٌ عَلَيْنا﴾ أيْ نَحْنُ وأنْتُمْ ﴿أجَزِعْنا﴾ والجَزَعُ: انْزِعاجُ النَّفْسِ بِوُرُودِ ما يَغُمُّ ﴿أمْ صَبَرْنا﴾ لا فائِدَةَ [لَنا] في واحِدٍ مِنهُما لِأنَّ الأمْرَ أطَمُّ مِن ذَلِكَ فَإنَّهُ ﴿ما لَنا مِن مَحِيصٍ﴾ يَصْلُحُ لِلْمَصْدَرِ والزَّمانِ والمَكانِ، أيْ مَحِيدٍ وزَوالٍ عَنِ المَكْرُوهِ عَلى كَلا التَّقْدِيرَيْنِ، فَلَمْ يَبْقَ في الجَزاءِ إلّا زِيادَةَ العَذابِ بِسُوءِ القالَةِ وانْتِشارِ السَّبَّةِ، وهَذا الِاسْتِفْهامُ لَيْسَ عَلى بابِهِ، بَلِ المُرادُ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّهُ حالُهم مِمّا يَنْبَغِي السُّؤالُ عَنْهُ وتَرْدِيدُ الأمْرِ فِيهِ لِيَنْتَهِيَ عَنْ مَثَلِهِ.
{"ayah":"وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ جَمِیعࣰا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰۤؤُا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعࣰا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲۚ قَالُوا۟ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَیۡنَـٰكُمۡۖ سَوَاۤءٌ عَلَیۡنَاۤ أَجَزِعۡنَاۤ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِیصࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق