الباحث القرآني

فَلَمّا فَرَغَ مِن مُحاوَراتِهِمْ، وما تَبِعَها مِمّا بَيَّنَ فِيهِ أنَّهُ لا يُغْنِيهِمْ مِن بَطْشِهِ شَيْءٌ، ضَرَبَ لَهم [فِي] ذَلِكَ مَثَلًا فَقالَ: ﴿مَثَلُ﴾ وهو مُسْتَعارٌ هُنا لِلصِّفَةِ الَّتِي فِيها غَرابَةٌ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مُسْتَهِينِينَ ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ مَثَّلَ مَن قَصَدَ أمْرًا ثُمَّ لَمْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ في السُّلُوكِ إلَيْهِ بَلِ اغْتَرَّ بِمَن جارَ بِهِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَأُبْعِدَ كُلَّ البُعْدِ حَتّى وصَلَ إلى شِعابٍ لا يُمْكِنُ فِيها المَقامُ، ولا يَتَأتّى مِنها الرُّجُوعُ فَهَلَكَ ضَياعًا. ولَمّا كانَ الفَرْقُ بَيْنَ الإنْسانِ والعَدَمِ إنَّما هو بِالعَمَلِ، ذَكَرَ ما عَلِمَ مِنهُ أنَّ المَثَلَ لِأعْمالِهِمْ عَلى طَرِيقِ الجَوابِ لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ما مِثْلُهُمْ؟ فَقالَ: ﴿أعْمالُهُمْ﴾ أيِ المَكارِمِ الَّتِي كانُوا يَعْمَلُونَها في الدُّنْيا مِنَ الصِّلَةِ والعِتْقِ وفِداءِ الأسْرى والجُودِ ونَحْوَ ذَلِكَ، في يَوْمِ الجَزاءِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً ثانِيًا - كَما قالَ الحَوْفَيْ وابْنُ عَطِيَّةَ. وهو وخَبَرُهُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ، ولا يَحْتاجُ إلى رابِطٍ لِأنَّهُ نَفْسُ المَثَلِ الَّذِي مَعْناهُ الصِّفَةُ ﴿كَرَمادٍ﴾ وهو ما سَحَقَهُ الِاحْتِراقُ سَحْقَ الغُبارِ (p-٤٠١)﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ أيْ أسْرَعَتْ بِالحَرَكَةِ عَلى عِظَمِ القُوَّةِ؛ والرِّيحُ: جِسْمٌ رَقِيقٌ مُثَبَّتٌ في الجَوِّ مِن شَأْنِهِ الهُبُوبُ، والرِّياحِ خَمْسٌ: شِمالٌ وجَنُوبٌ وصِبا ودَبُّورٌ ونَكْباءُ ﴿فِي يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ أيْ شَدِيدِ الرِّيحِ، فَأطارَتْهُ في كُلِّ صَوْبٍ، فَصارُوا بِحَيْثُ ﴿لا يَقْدِرُونَ﴾ أيْ يَوْمَ الجَزاءِ؛ ولَمّا كانَ الأمْرُ هُنا مُتَمَحِّصًا لِلْأعْمالِ، قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿مِمّا كَسَبُوا﴾ في الدُّنْيا مِن أعْمالِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ ﴿عَلى شَيْءٍ﴾ بَلْ ذَهَبَ هَباءً مَنثُورًا لِبِنائِهِ عَلى غَيْرِ أساسٍ، فَثَبَتَ بِمُقْتَضى ذَلِكَ أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ واسْتَحَبُّوا الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ في ضَلالٍ بَعِيدٍ، بَلْ ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرِ الشَّدِيدِ الشَّناعَةِ ”هُوَ“ [أيْ خاصَّةً] ﴿الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ الَّذِي لا يَقْدِرُ صاحِبُهُ عَلى تَدارُكِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب