الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضَتْ هَذِهِ المُحاوَرَةُ وقَدْ عَلِمَ مِنها كُلُّ مُنْصِفٍ ما عَلَيْهِ الرُّسُلُ مِنَ الحُلْمِ والعِلْمِ والحِكْمَةِ، وما عَلَيْهِ مُخالِفُهم مِنَ الضَّلالِ والجَهْلِ والعِنادِ، وكانَ في الكَلامِ ما رُبَّما أشْعَرَ بِانْقِضائِهِ، ابْتَدَأ تَعالى عَنْهم (p-٣٩٧)مُحاوَرَةً أُخْرى، عاطِفًا لَها عَلى ما مَضى، فَقالَ: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ﴾ مُسْتَهِينِينَ بِمَن قَصَرُوا التِجاءَهم عَلَيْهِ، مُؤَكِّدِينَ لِاسْتِشْعارِهِمْ بِإنْكارِ مَن رَأى مُدافَعَةَ اللَّهِ عَنْ أوْلِيائِهِ لِقَوْلِهِمْ: والَّذِي يَحْلِفُ بِهِ! لِيَكُونَنَّ أحَدُ الأمْرَيْنِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا﴾ أيِ الَّتِي لَنا الآنَ الغَلَبَةُ عَلَيْها ﴿أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا﴾ بِأنْ تَكُفُّوا عَنْ مُعارَضَتِنا كَما كُنْتُمْ دَعْوى الرِّسالَةِ، فَإطْلاقُ مَلَّتِهِمْ عَلى السُّكُوتِ عَنْهم مِن إطْلاقِ اسْمِ الكُلِّ عَلى الجُزْءِ عَلى زَعْمِهِمْ مَثَلٌ ﴿جَعَلُوا أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾ [نوح: ٧] وهو مَجازٌ مُرْسَلٌ، فَصَبَرُوا عَلى ذَلِكَ كَما أخْبَرُوا بِهِ تَوَكُّلًا عَلى رَبِّهِمْ واسْتَمَرُّوا عَلى نَصِيحَتِهِمْ لَهم بِدُعائِهِمْ إلى اللَّهِ ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ﴾ أيْ كَلَّمَهم في خَفاءٍ بِسَبَبِ تَوَعُّدِ أُمَمِهِمْ لَهُمْ، مُخْتَصًّا لَهم بِذَلِكَ ”رَبُّهُمُ“ المُحْسِنُ إلَيْهِمُ الَّذِي تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، تَسْكِينًا لِقُلُوبِهِمْ وتَسْلِيَةً لِنُفُوسِهِمْ، وأكَّدَ لَمّا - لِمَن يَنْظُرُ كَثْرَةَ الكُفّارِ وقُوَّتَهم - مِنَ التَّوَقُّفِ في مَضْمُونِ الخَبَرِ ولا سِيَّما إنْ كانَ كافِرًا، قائِلًا: ﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ المُقْتَضِيَةِ لِنُفُوذِ الأمْرِ؛ والإهْلاكُ: إذْهابُ الشَّيْءِ إلى حَيْثُ لا يَقَعُ عَلَيْهِ الإحْساسُ ﴿الظّالِمِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينِ في الظُّلْمِ، ورُبَّما تُبْنا عَلى بَعْضِ (p-٣٩٨)مِن أخْبَرْنا عَنْهُ بِأنَّهُ كُفْرٌ، وهو [مَن] لَمْ يَكُنْ عَرِيقًا في كُفْرِهِ الَّذِي هو أظْلَمُ الظُّلْمِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب