الباحث القرآني
(p-٣٦٩)سُورَةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ
”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالكَمالِ، وعَزَّ [عَنْ] أنْ يَكُونَ لَهُ كُفُوٌ أوْ مِثالٌ ”الرَّحْمَنُ“ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ بِكِتابٍ هو الغايَةُ في البَيانِ ”الرَّحِيمُ“ الَّذِي اخْتارَ مِن عِبادِهِ مَن ألْزَمَهم رُوحَ وِدادِهِ ﴿الر﴾ مَقْصُودُ السُّورَةِ التَّوْحِيدُ، وبَيانُ أنَّ هَذا الكِتابَ غايَةُ البَلاغِ إلى اللَّهِ، لِأنَّهُ كافِلٌ بِبَيانِ الصِّراطِ الدّالِّ عَلَيْهِ المُؤَدّى إلَيْهِ. ناقِلٌ - بِما فِيهِ مِنَ الأسْرارِ - لِلْخَلْقِ مِن طَوْرٍ إلى طَوْرٍ - بِما يُشِيرُ إلَيْهِ حَرْفُ الرّاءِ، وأدَلُّ ما فِيها عَلى هَذا المَرامِ قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أمّا التَّوْحِيدُ فَواضِحٌ أمّا أمْرُ الكِتابِ فَلِأنَّهُ مِن جُمْلَةِ دُعائِهِ لِذَرِّيَّتِهِ الَّذِينَ أسْكَنَهم عِنْدَ البَيْتِ المُحَرَّمِ مِن ذُرِّيَّةِ إسْماعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ”﴿رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِكَ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٢٩]
ولَمّا خَتَمَ الرَّعْدَ بِأنَّهُ لا شَهادَةَ تُكافِئُ شَهادَةً مِن عِنْدِهِ، عِلْمُ الكِتابِ إشارَةٌ إلى أنَّ الكِتابَ هو الشّاهِدُ بِإعْجازِهِ بِبَلاغَتِهِ وما حَوى مِن (p-٣٧٠)فُنُونِ العُلُومِ، وأتى بِهِ في ذاكَ السِّياقِ مُعَرَّفًا لِما تَقَدَّمَ مِن ذِكْرِهِ في البَقَرَةِ وغَيْرِها ثُمَّ تَكَرَّرَ وصْفُهُ في [سُورَةِ يُونُسَ وهُودٍ ويُوسُفَ والرَّعْدِ] بِأنَّهُ حَكِيمٌ مُحْكِمٌ مُفَصِّلٌ مُبِيِّنٌ، وأنَّهُ الحَقُّ الثّابِتُ الَّذِي تَزُولُ الجِبالُ الرَّواسِي وهو ثابِتٌ لا يَتَّعْتَعُ شَيْءٌ مِنهُ. ولا يُزَلْزَلُ مَعْنى مِن مَعانِيهِ، ذَكَرَهُ في أوَّلِ [هَذِهِ] السُّورَةِ مُنْكِرًا تَنْكِيرَ التَّعْظِيمِ فَقالَ: ﴿كِتابٌ﴾ أيْ عَظِيمٌ في دَرَجاتٍ مِنَ العَظَمَةِ. لا تَحْتَمِلُ عُقُولُكُمُ الإخْبارَ عَنْها بِغَيْرِ هَذا الوَصْفِ، ودَلَّ تَعْلِيلُ وصْفِهِ بِالمُبِينِ بِأنَّهُ عَرَبِيٌّ عَلى أنَّ التَّقْدِيرَ: ﴿أنْـزَلْناهُ﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ“إلَيْكَ" بِلِسانِ قَوْمِكَ لِتُبَيِّنَ لَهم.
ولَمّا اسْتَجْمَعَ التَّعْرِيفَ بِالأوْصافِ المُوجِبَةِ لِلْفَلاحِ المَذْكُورَةِ أوَّلَ السُّورَةِ المُسْتَدِلِّ عَلَيْها بِكُلِّ بُرْهانٍ مُنِيرٍ وسُلْطانٍ مُبِينٍ، فَصارَ بِحَيْثُ لا يَتَوَقَّفُ عَنِ اجْتِناءِ ثَمَرَتِهِ مَن وقَفَ عَلى حَقائِقَ تِلْكَ النُّعُوتِ، شَوَّقَ إلى تِلْكَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ تَفْصِيلِ ما في أوَّلِ البَقَرَةِ في الَّتِي قَبْلِها كَما مَضى بِما يُحِثُّ عَلَيْهِ ويُقْبِلُ بِقَلْبِ كُلِّ عاقِلٍ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿لِتُخْرِجَ النّاسَ﴾ أيْ عامَّةِ قَوْمِكَ وغَيْرِهِمْ بِدُعائِكَ إيّاهم بِهِ وإنْ كانُوا ذَوِي اضْطِرابٍ ﴿مِنَ الظُّلُماتِ﴾ الَّتِي هي أنْواعٌ كَثِيرَةٌ (p-٣٧١)مِنَ الضَّلالاتِ الَّتِي أدَّتْ إلَيْها الجَهالاتُ ﴿إلى النُّورِ﴾ الَّذِي هو واحِدٌ، وهو سَبِيلُ اللَّهِ المَدْعُو بِالهِدايَةِ إلَيْهِ في الفاتِحَةِ، أوْ لِتُبَيِّنَ لِلْعَرَبِ قَوْمَكَ لِأنَّهُ بِلِسانِهِمْ بَيانًا شافِيًا، فَتَجْعَلُهم - بِما تُقِيمُ عَلَيْهِمْ مِنَ الحُجَجِ السّاطِعَةِ، وتُوَضِّحُ لَهم مِنَ البَراهِينِ القاطِعَةِ، وتَنْصُبُ لَهم مِنَ الأعْلامِ الظّاهِرَةِ، وتَحْكُمُ لَهم مِنَ الأدِلَّةِ الباهِرَةِ - في مِثْلِ ضَوْءِ النَّهارِ بِما فَتَحَ مِن مُقْفَلِ أبْصارِهِمْ، وكَشَفَ عَنْ أغْطِيَةِ قُوبِهِمِ، فَيَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ مِن أنْ يَخْرُجُوا مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ الَّتِي هي طُرُقُ الشَّيْطانِ إلى نُورِ الإيمانِ الَّذِي هو سَبِيلُهُ ﴿ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] وشَبَّهَ الإيمانَ وما أرْشَدَ إلَيْهِ بِالنُّورِ، لِأنَّهُ عِصْمَةُ العَقْلِ مِنَ الخَطَأِ في الطَّرِيقِ إلى اللَّهِ كَما أنَّ النُّورَ عِصْمَةُ البَصَرِ مِنَ الضَّلالِ عَنِ الطَّرِيقِ الحِسِّيِّ، وإذا خَرَجُوا إلى النُّورِ كانُوا جَدِيرِينَ بِأنْ يُخْرِجُوا جَمِيعَ النّاسِ ﴿بِإذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِمْ؛ والإذْنُ: الإطْلاقُ في الفِعْلِ بِقَوْلٍ يُسْمَعُ بِالأُذُنِ، هَذا أصْلُهُ - قالَهُ الرُّمانِيُّ.
ولَمّا كانَ النُّورُ مُجْمَلًا، بَيَّنَهُ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ أوِ البَدَلِ بِتَكْرِيرِ العامِلِ فَقالَ: ﴿إلى صِراطِ العَزِيزِ﴾ الَّذِي تَعالى عَنْ صِفاتِ النَّقْصِ (p-٣٧٢)فَعَزَّ [عَنْ] أنْ يَدْخُلَ أحَدٌ صِراطَهُ الَّذِي هو رَبُّهُ، أوْ يَتَعَرَّضُ [أحَدٌ] إلى سالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ﴿الحَمِيدِ﴾ المُحِيطُ بِجَمِيعِ الكَمالِ، فَهو المُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ المَحامِدِ لِذاتِهِ وبِما يَفِيضُ عَلى عِبادِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُرَبِّيهِمْ ويَتَحَمَّدُ إلَيْهِمْ بِها عَلى كُلِّ حالٍ، فَكَيْفَ إذا سَلَكُوا سَبِيلَهُ الواضِحَ الواسِعَ السَّهْلَ! .
{"ayah":"الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق