الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّهم غَطُّوا آياتِ رَبِّهِمُ المُتَفَضِّلِ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الآياتِ وغَيْرِها، عَجِبَ مِنهم عَجَبًا آخَرَ في طَلَبِهِمْ إنْزالَ الآياتِ مَعَ كَوْنِها مُتَساوِيَةَ الأقْدامِ في الدَّلالَةِ عَلى الصّانِعِ وما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ، فَلَمّا كَفَرُوا بِما أتاهم كانُوا جَدِيرِينَ بِالكُفْرِ بِما يَأْتِيهِمْ فَقالَ: ﴿ويَقُولُ﴾ أيْ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ اسْتِهْزاءً بِالقُدْرَةِ ﴿لَوْلا﴾ أيْ هَلّا ولِمَ لا ﴿أُنْـزِلَ﴾ أيْ بِإنْزالِ أيِّ كائِنٍ كانَ ﴿عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ (p-٢٨٦)جاحِدِينَ عِنادًا لِما أتاهُ مِنَ الآياتِ ﴿مِن رَبِّهِ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِ تَصْدِيقًا لَهُ. ولَمّا كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ راغِبًا في إجابَةِ مُقْتَرَحاتِهِمْ لِشِدَّةِ التِفاتِهِ إلى أيْمانِهِمْ، كانَ كَأنَّهُ سَألَ في ذَلِكَ لِتَحْصُلَ لَهُمُ النَّجاةُ، فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ تَعالى - مُقَدِّمًا ما السِّياقُ أوْلى بِهِ لِأنَّهُ لِبَيانِ أنَّ الأكْثَرَ لا يُؤْمِنُ -: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ﴾ أيْ نَبِيٌّ مُنْذِرٌ هادٍ لَهم تَهْدِيهِمْ بِبَيانِ ما أنْزَلَهُ عَلَيْكَ مِمّا يُوقِعُ في الهَلاكِ أوْ يُوصِلُ إلى النَّجاةِ، سائِرٌ فِيهِمْ عَلى حَسَبِ ما أحَدَّهُ لَكَ، وأصْلُ الإنْذارِ الإعْلامُ بِمَوْضِعِ المَخافَةِ [لِيُتَّقى]، لا أنَّكَ مُثْبِتٌ لِلْإيمانِ في الصُّدُورِ ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ﴾ مِمَّنْ أرْسَلَنا إلَيْهِمْ نَبِيٌّ ﴿هادٍ﴾ أيْ داعٍ يَهْدِيهِمْ إلى مَراشِدِهِمْ ومُنْذِرٌ يُنْذِرُهم مِن مَغاوِيهِمْ، أيْ يُبَيِّنُ لَهم ما أرْسَلْنا بِهِ مِنَ النِّذارَةِ والبِشارَةِ، وأعْطى كُلَّ مُنْذِرٍ وهادٍ آياتٍ تَلِيقُ بِهِ وبِقَوْمِهِ عَلى مِثْلِها يُؤْمِنُ البَشَرُ، فَيَهْدِي اللَّهُ مَن يَعْلَمُ فِيهِ قابِلِيَّةَ الهُدى بِما نَصَبَ مِنَ الآياتِ المُشاهَداتِ، فَلا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ مِنَ المُقْتَرَحاتِ، ويَضِلُّ مَن يَعْلَمُ [فِيهِ] دَواعِي الضَّلالِ ولَوْ جاءَتْهُ كُلُّ آيَةٍ، لِأنَّهُ الَّذِي جَبَلَهم عَلى طَبائِعِ الخَيْرِ والشَّرِّ (p-٢٨٧)﴿ألا يَعْلَمُ مَن خَلَقَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤] فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] وكَقَوْلِهِ في هَذِهِ السُّورَةِ ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ﴾ [الرعد: ٢٧] والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذِكْرُ المُنْذِرِ أوَّلًا يَدُلُّ عَلى حَذْفِهِ ثانِيًا، وذِكْرُ الهادِ ثانِيًا دالٌّ عَلى حَذْفِ مِثْلِهِ أوَّلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب