الباحث القرآني

ولَمّا أرْشَدَ السِّياقُ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ في تَحْقِيقِ أنَّهُ سُبْحانَهُ قادِرٌ عَلى الجَزاءِ لِمَن أرادَ: ألَمْ يَرَوْا أنا أهْلَكَنا مَن قَبِلَهم وكانُوا أقْوى مِنهم شَوْكَةً وأكْثَرَ عِدَّةً؟ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿نَأْتِي الأرْضَ﴾ الَّتِي هَؤُلاءِ الكَفَرَةُ بِها، فَكَأنَّهُ قِيلَ: أيُّ إتْيانٍ؟ فَقِيلَ: إتْيانُ البَأْسِ إذا أرَدْنا، والرَّحْمَةُ إذا أرَدْنا ﴿نَنْقُصُها﴾ والنَّقْصُ: أخْذُ شَيْءٍ مِنَ الجُمْلَةِ تَكُونُ بِهِ أقَلَّ ﴿مِن أطْرافِها﴾ بِما يَفْتَحُ اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِمّا يَزِيدُ بِهِ في أرْضِ أهْلِ الإسْلامِ بِقَتْلِ بَعْضِ الكُفّارِ واسْتِسْلامِ البَعْضِ حَتّى يُبِيدَ أهْلَها عَلى حَسَبِ ما نُعْلِمُهُ حِكْمَةً مِن تَدْبِيرِ الأُمُورِ وتَقْلِيبِها حالًا إلى حالٍ حَتّى تَنْتَهِيَ إلى مُسْتَقَرِّها بَعْدَ الحِسابِ في دارِ ثَوابٍ أوْ عِقابٍ، وذَلِكَ أنَّ المُسْلِمِينَ كانُوا يَغْزُونَ ما يَلِي المَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ مِن أطْرافِ بِلادِ الكُفّارِ كَما أرْشَدَ تَعالى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكم مِنَ الكُفّارِ﴾ [التوبة: ١٢٣] فَيَفْتَحُونَها أوَّلًا فَأوَّلًا حَتّى دانَ العَرَبُ كُلُّهم طَوْعًا أوْ كَرْهًا بَعْدَ قَتْلِ السّادَةِ وذُلِّ القادَةِ - واللَّهُ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ؛ والطَّرَفُ: (p-٣٦٥)المُنْتَهى، وهو مَوْضِعٌ مِنَ الشَّيْءِ لَيْسَ وراءَهُ مِنهُ شَيْءٌ، وأطْرافُ الأرْضِ: جَوانِبُها، وكانَ يُقالُ: [الأطْرافُ]: مَنازِلُ الأشْرافِ، يَطْلُبُونَ القُرْبَ عَلى الأضْيافِ؛ ثُمَّ أثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَعالى أمْرًا كُلِّيًّا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِيهِ، فَقالَ لافِتًا الكَلامَ مِن أُسْلُوبِ التَّكَلُّمِ بِالعَظَمَةِ إلى غَيْبَةٍ هي أعْظَمُ العَظَمَةِ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى ﴿يَحْكُمُ﴾ ما يُرِيدُ لِأنَّهُ ﴿لا مُعَقِّبَ﴾ أيْ رادَّ، لِأنَّ التَّعْقِيبَ: رَدُّ الشَّيْءِ بَعْدَ فَصْلِهِ ﴿لِحُكْمِهِ﴾ وقَدْ حَكَمَ لِلْإسْلامِ بِالغَلَبِ والإقْبالِ، وعَلى الكُفْرِ بِالِانْتِكاسِ والإدْبارِ، وكُلُّ مِن حَكَمَ عَلى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ بِحاكِمٍ، وذَلِكَ كافٍ في الخَوْفِ مِن سَطَواتِ قُدْرَتِهِ ﴿وهُوَ﴾ مَعَ تَمامِ القُدْرَةِ ﴿سَرِيعُ الحِسابِ﴾ جَزاءُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ عَمَلٍ لا يَتَصَوَّرُ أنْ يَفُوتَهُ شَيْءٌ فَلا بُدَّ مِن لِقاءِ جَزائِهِ، وكُلُّ ما هو آتٍ سَرِيعٌ، وهو مَعَ ذَلِكَ يَعُدُّ لِكُلِّ عَمَلٍ جَزاءُهُ عَلى ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ مِن عَدْلٍ أوْ فَضْلٍ حِينَ صُدُورِهِ، لا يَحْتاجُ إلى زَمانٍ يَنْظُرُ فِيهِ ما جَزاءُهُ؟ ولا: هَلْ عَمِلَ أوْ لا؟ لِأنَّهُ لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ؛ والسُّرْعَةُ: عَمَلُ الشَّيْءِ في قِلَّةِ المُدَّةِ عَلى ما تَحُدُّهُ الحِكْمَةُ، والإبْطاءُ: عَمَلُهُ في طُولِ مُدَّةٍ خارِجَةٍ عَنِ الحِكْمَةِ، والسُّرْعَةُ مَحْمُودَةٌ، والعَجَلَةُ مَذْمُومَةٌ، وهو تَعالى قادِرٌ عَلى الكَفَرَةِ وإنْ كانُوا (p-٣٦٦)كالقاطِعِينَ بِأنَّهم يَغْلِبُونَ، لِما لَهم مِنَ القُوَّةِ والكَثْرَةِ، مَعَ جَوْدَةِ الآراءِ وحِدَّةِ الأفْكارِ والقُدْرَةِ بِالأمْوالِ وإنِ اشْتَدَّ مَكْرُهُمْ، فَهو لا يُغْنِي عَنْهم شَيْئًا، فَقَدْ مَكَرُوا بِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ لَمْ أزِدْكَ إلّا عُلُوًّا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب