الباحث القرآني

ولَمّا كانَ [فِي - ] ذَلِكَ فَطْمٌ عَنْ إنْزالِ المُقْتَرَحاتِ، وكانَ إعْراضُ المُقْتَرِحِينَ قَدْ طالَ، وطالَ البَلاءُ بِهِمْ والصَّبْرُ عَلى أذاهُمْ، كانَ مَوْضِعُ أنْ يُقالَ مِن كافِرٍ أوْ مُسْلِمٍ عَيْلُ صَبْرِهِ: أوَلَسْتَ مُرْسَلًا يُسْتَجابُ لَكَ كَما كانَ يُسْتَجابُ لِلرُّسُلِ؟ فَقِيلَ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ إرْسالِ الرُّسُلِ الَّذِي قَدَّمْنا الإشارَةَ إلَيْهِ في آخِرِ [سُورَةِ يُوسُفَ ] عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في قَوْلِنا ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلا رِجالا نُوحِي (p-٣٣٨)إلَيْهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٩] -الآيَةُ، وفي هَذِهِ السُّورَةِ في قَوْلِنا ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: ٧] ومِثْلُ هَذا الإرْسالِ البَدِيعِ [الأمْرُ] البَعِيدُ الشَّأْنِ، والَّذِي دَرَّبْناكَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِن [أنَّ - ] المَرْجِعَ إلى اللَّهِ والكُلَّ بِيَدِهِ، فَلا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلى هُدًى ولا ضَلالٍ، لا بِإنْزالِ الآيَةِ ولا غَيْرِهِ ﴿أرْسَلْناكَ﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿فِي أُمَّةٍ﴾ وهي جَماعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الحَيَوانِ تَرْجِعُ إلى مَعْنًى خاصٍّ لَها دُونَ غَيْرِها ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ولَمّا كانَتِ الرُّسُلُ لِمَن تَعُمُّ بِالفِعْلِ الزَّمانَ كُلَّهُ، قالَ: ﴿مِن قَبْلِها أُمَمٌ﴾ طالَ أذاهم لِأنْبِيائِهِمْ ومَن آمَنَ بِهِمْ واسْتِهْزائِهِمْ في عَدَمِ الإجابَةِ إلى المُقْتَرَحاتِ وقَوْلِ كُلِّ أُمَّةٍ لِنَبِيِّها عِنادًا بَعْدَ ما جاءَهم مِنَ الآياتِ ﴿لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ [الرعد: ٢٧] حَتّى كَأنَّهم تَواصَوْا بِهَذا القَوْلِ حَتّى فِعْلَ الرُّسُلِ وأتْباعِهِمْ- [فِي - ] إقْبالِهِمْ عَلى الدُّعاءِ وإعْراضِهِمْ عَمَّنْ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ - فِعْلُ الآئِسِ مِنَ الإنْزالِ ﴿لِتَتْلُوَ﴾ أيْ أرْسَلْناكَ فِيهِمْ لِتَتْلُوَ ﴿عَلَيْهِمُ﴾ أيْ تَقْرَأ؛ والتِّلاوَةُ: جَعْلُ الثّانِي يَلِي الأوَّلَ بِلا فَصْلٍ ﴿الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ مِن (p-٣٣٩)ذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي هو أعْظَمُ الآياتِ ﴿وهُمْ﴾ أيْ والحالُ أنَّهم ﴿يَكْفُرُونَ﴾ لا تُمَلُّ تِلاوَتُهُ عَلَيْهِمْ في تِلْكَ الحالِ فَإنَّ لَنا في هَذا حُكْمًا وإنْ خَفِيَتْ، وما أرْسَلْناكَ ومِن قَبْلِكَ مِنَ الرُّسُلِ إلّا لِتِلاوَةِ ما يُوحى، لا لِطَلَبِ الإجابَةِ إلى ما يَقْتَرِحُ الأُمَمُ مِنَ الآياتِ ظَنًّا أنَّها تَكُونُ سَبَبًا لِإيمانِ أحَدٍ، نَحْنُ أعْلَمُ بِهِمْ. وهَذا كُلُّهُ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وقَوْلُهُ: ﴿بِالرَّحْمَنِ﴾ إشارَةً إلى كَثْرَةِ حِلْمِهِ وطُولِ أنّاتِهِ، وتَصْوِيرٍ لِتَقْبِيحِ حالِهِمْ في مُقابَلَتِهِمُ الإحْسانَ بِالإساءَةِ والنِّعْمَةَ بِالكُفْرِ بِأوْضَحِ صُورَةٍ وهم يَدَّعُونَ أنَّهم أشْكَرُ النّاسِ لِلْإحْسانِ وأُبْعَدُهم مِنَ الكُفْرانِ. ولَمّا تَضَمَّنَ كُفْرُهم بِالرَّحْمَنِ كُفْرَهم بِالقُرْآنِ ومَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وكانَ الكُفْرُ بِالمُنْعِمِ في غايَةِ القَباحَةِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا أفْعَلُ حِينَئِذٍ أنا ومَنِ اتَّبَعَنِي؟ لا نَتَمَنّى إجابَتَهم إلى مُقْتَرَحاتِهِمْ إلّا رَجاءَ إيمانِهِمْ، وكانَ جَوابُهم عَنِ الكُفْرِ بِالمُوحى أهَمَّ، بَدَأ بِهِ فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ عِنْدَ ذَلِكَ إيمانًا بِهِ ﴿هُوَ﴾ أيِ الرَّحْمَنِ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ ﴿رَبِّي﴾ المُرَبِّي لِي بِالإيجادِ وإدْرارِ النِّعَمِ، المُحْسِنِ إلَيَّ لا غَيْرُهُ، لا أكْفُرُ إحْسانَهُ كَما كَفَرْتُمُوهُ أنْتُمْ، بَلْ أقُولُ: إنَّهُ ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ أنا بِهِ واثِقٌ في التَّرْبِيَةِ والنُّصْرَةِ وغَيْرِها. (p-٣٤٠)ولَمّا كانَ تَفَرُّدُهُ بِالإلَهِيَّةِ عِلَّةً لِقِصَرِ الهِمَمِ عَلَيْهِ، قالَ: ﴿عَلَيْهِ﴾ أيْ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ﴿تَوَكَّلْتُ﴾ والتَّوَكُّلُ: التَّوْثِيقُ في تَدْبِيرِ النَّفْسِ بِرَدِّهِ إلى اللَّهِ عَلى الرِّضى بِما يَفْعَلُ ﴿وإلَيْهِ﴾ أيْ لا إلى غَيْرِهِ ﴿مَتابِ﴾ أيْ مَرْجِعِي، مَعْنى بِالتَّوْبَةِ وحِسًّا بِالمَعادِ، وهَذا تَعْرِيضٌ بِهِمْ في أنَّ سَبَبَ كَفَرْتُمْ إنْكارُ يَوْمِ الدِّينِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب