الباحث القرآني

ولَمّا افْتَرَقَ حالُ ما أجابَ ومَن أعْرَضَ في الجَزاءِ، وكانَ ما مَضى مُسْتَوْفِيًا طَرَقَ البَيانَ بِإيضاحِ الأمْرِ بِالجُزَيْئاتِ والأمْثِلَةِ مَعَ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ. فَكانَ جَدِيرًا بِتَرْتِيبِ الأثَرِ عَلَيْهِ، تَسَبَّبَ عَنْهُ الإنْكارُ عَلى (p-٣٢٧)مِن سَوّى بَيْنَ العالِمِ العامِلِ وغَيْرِهِ التِفاتًا إلى قَوْلِهِ ﴿هَلْ يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ [الرعد: ١٦] وسَوّى بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ التِفاتًا إلى قَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والباطِلَ﴾ [الرعد: ١٧] فَحَسُنَ قَوْلُهُ: ﴿أفَمَن﴾ بِفاءِ السَّبَبِ ﴿يَعْلَمُ﴾ عِلْمًا نافِعًا هو عامِلٌ بِهِ ﴿إنَّما﴾ أيِ الَّذِي ﴿أُنْـزِلَ﴾ أيْ وجَدَ إنْزالَهُ وفَرَغَ مِنهُ ﴿إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْكَ بِأحْسَنِ التَّدْبِيرِ ﴿الحَقُّ﴾ أيِ الكامِلِ في الحَقِّيَّةِ، فَهو نَيِّرُ العَيْنِ لِلْبَصَرِ والقَلْبِ لِلِاسْتِبْصارِ والِاعْتِبارِ، يَهْتَدِي بِما يَعْلَمُ إلى طَرِيقِ الرُّشْدِ فَيَسْلُكُها، وإلى طَرِيقِ الغَيِّ فَيَتْرُكُها، ويَفْهَمُ الأُشاراتِ، ويَنْتَفِعُ بِالأمْثالِ السّائِراتِ، كَما يُبَصِّرُ بِالبَصَرِ طَرِيقَ النَّجاةِ مِن طَرِيقِ الهَلاكِ ﴿كَمَن هو أعْمى﴾ لا بَصَرَ لَهُ ولا بَصِيرَةَ، لِأنَّهُ لا يَعْمَلُ وإنْ كانَ عالِمًا، فَهو لا يَنْتَفِعُ بِالأمْثالِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أصْلًا، ثُمَّ عَلَّلَ هَذا الإنْكارَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما﴾ أيْ لِأنَّهُ إنَّما يَعْلَمُ ذَلِكَ بِالتَّذَكُّرِ، وإنَّما ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ أيْ يَطْلُبُ الذِّكْرُ طَلَبًا عَظِيمًا فَيَعْمَلُ ﴿أُولُو﴾ أيْ أصْحابُ ﴿الألْبابِ﴾ أيِ العُقُولِ الصّافِيَةِ الخالِصَةِ القابِلَةِ لِلتَّذَكُّرِ بِالتَّفَكُّرِ في أنَّ ما أُنْزِلَ مِن عِنْدِ اللَّهِ ثابِتُ الأرْكانِ [راسِي القَواعِدِ، لا قَدَرَ لِأحَدٍ عَلى إزالَةِ مَعْنًى مِن مَعانِيهِ ولا هَدْمَ شَيْءٍ مِن مَبانِيهِ] (p-٣٢٨)و[ أنَّ - ] ما عَداهُ هَلْهَلُ النَّسْجِ رَثُّ القُوى، مُخَلْخَلُ الأرْكانِ، دارِسُ الرَّسْمِ، مُنْطَمِسُ الأعْلامِ، مَجْهُولُ المَسالِكِ، مُظْلِمُ الأرْجاءِ، جَمُّ المَهالِكِ، وأمّا القَلْبُ الَّذِي لا يَرْجِعُ عَنْ غَيِّهِ لِمِثْلِ هَذا البَيانِ فَكَأنَّهُ غَيْرُ قابِلٍ لِلذِّكْرى، فاسْتَحَقَّ أنْ يَعِدَ عَدَمًا، وأنْ يَخُصَّ التَّذَكُّرَ بِالقَلْبِ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا يَسْتَوِي مَن لَهُ لُبٌّ [ومَن لا لُبَّ لَهُ]؛ واللُّبُّ والقَلْبُ: أجَلُّ ما في الشَّيْءِ وأخْلَصُهُ وأجْوَدُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب