الباحث القرآني

(p-١٩٩)ولَمّا تَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إلى ما كانَ عَنْهُ بَعْدَ ما رَأى مِن غَلْطَةِ بَنِيهِ، شَفى عِيَّها بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ إنَّما﴾ أيْ نَعَمْ لا أزالُ كَذَلِكَ لِأنَّهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ لِلْإنْسانِ، لِدَلالَتِهِ عَلى الرِّقَّةِ والوَفاءِ، وإنَّما يَكُونُ مَذْمُومًا إذا كانَ عَلى وجْهِ الشِّكايَةَ إلى الخَلْقِ وأنا لا أشْكُو إلى مَخْلُوقٍ، إنَّما ﴿أشْكُو بَثِّي﴾ والبَثُّ أشَدُّ الحُزْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ مِن صُعُوبَتِهِ لا يُطاقُ حَمْلُهُ فَيُباحُ بِهِ ويُنْشَرُ ﴿وحُزْنِي﴾ مُطْلَقًا وإنْ كانَ سَبَبُهُ خَفِيفًا يَقْدِرُ الخُلُقُ عَلى إزالَتِهِ ﴿إلى اللَّهِ﴾ أيِ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرَةً تَعَرُّضًا لِنَفَحاتِ كَرَمِهِ، لا إلى أحَدٍ غَيْرِهِ، وهَذا - الَّذِي سَمِعْتُوهُ مِنِّي فَقَلِقْتُمْ لَهُ - قَلِيلٌ مِن كَثِيرٍ. ولَمّا كانَ يَجُوزُ أنْ يَكُونُوا صادِقِينَ في أنَّهم لَمْ يَجِدُوا إلّا قَمِيصَ يُوسُفَ مُلَطَّخًا دَمًا، وأنْ يَكُونَ قَطْعُهم بِأكْلِ الذِّئْبِ لَهُ مُسْتَنِدًا إلى ذَلِكَ، وكانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَغْلِبُ عَلى ظَنِّهِ أنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَيٌّ ويُظَنُّ في اللَّهِ أنْ يَجْمَعَ شَمْلَهُ بِهِ، قالَ: ﴿وأعْلَمُ مِنَ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى مِنَ اللُّطْفِ بِنا أهْلَ هَذا البَيْتِ ومِنَ التَّفْرِيجِ عَنِ المَكْرُوبِينَ والتَّفْرِيحِ لِلْمَغْمُومِينَ ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (p-٢٠٠)ومادَّةُ ”فَتا“ يائِيَّةٌ وواوِيَّةٌ مَهْمُوزَةٌ وغَيْرُ ومَهْمُوزَةٍ بِكُلِّ تَرْتِيبٍ وهي فَتَأ، وفَأتْ وتَفَأ وأفَتَ، وفَتى وفَوَتَ وتَوَفَ [وتَفَوُ] تَدُورُ عَلى الشَّبابِ، وتَلْزَمُهُ القُوَّةُ وشِدَّةُ العَزِيمَةِ وسَلامَةُ الِانْقِيادِ: ما فَتَأ يَفْعَلُ كَذا - مُثَلَّثَةَ العَيْنِ: ما زالَ كَما أفَتا، أيْ إنَّهُ ما زالَ فاعِلًا في ذَلِكَ فِعْلَ الشّابِّ الجَلْدِ الماضِي العَزْمِ، وما فَتِئَ أنْ فَعَلَ، ما بَرِحَ أيْ أنَّهُ بادَرَ إلى ذَلِكَ بِسُهُولَةِ انْقِيادٍ وشِدَّةِ عَزِيمَةٍ، وحَقِيقَتُهُ: ما فَتِئَ عَنْ فِعْلِ كَذا، أيْ ما تَجاوَزَهُ إلى غَيْرِهِ وما نَسِيَهُ بَلْ قَصَرَ فِتاءَهُ وهِمَّتَهُ وجَلْدَهُ عَلَيْهِ، وعَنِ ابْنِ مالِكٍ في جَمْعِ اللُّغاتِ المُشَكَّلَةِ وعَزاهُ لِلْفَرّاءِ - وصَحَّحَهُ في القامُوسِ: فَتَأ - كَمَنَعَ: كَسَرَ وأطْفَأ، وهو واضِحٌ في القُوَّةِ، وفَتِئَ عَنْهُ - كَسَمِعَ: نَسِيَهُ وانْقَذَعَ عَنْهُ، أيِ انْكَفَّ أوْ خاصَّ بِالجَحْدِ، أيْ بِأنْ يَكُونَ قَبْلَهُ حَرْفُ نَفْيٍ، ومَعْناهُ أنَّ قُوَّتَهُ تَجاوَزَتْهُ فَلَمْ تُخالِطْهُ؛ ومِن يائِيِّهِ: الفِتاءُ - كَسَماءٍ: الشَّبابُ، وكَأنَّهُ (p-٢٠١)أصْلُ المادَّةِ، والفَتِيُّ - بِالقَصْرِ؛ السَّخِيُّ والكَرِيمُ، أيِ الجَوادُ الشَّرِيفُ النَّفْسِ، والفَتى: السَّيِّدُ الشُّجاعُ - لِأنَّ ذَلِكَ يُلْزِمُ الشَّبابَ غالِبًا، والفَتى: المَمْلُوكُ وإنْ كانَ بَخِيلًا أوْ شَيْخًا - لِأنَّهُ غالِبًا لا يَشْتَرِي إلّا الشَّبابَ، والفَتى: التِّلْمِيذُ، والتّابِعُ كَذَلِكَ، والفَتى - كَغِنى: الشّابِّ أيْضًا، والفُتُوَّةُ: الكَرَمُ، وقَدْ تُفْتى وتَفاتى، وفُتُوَّتُهُمْ: غَلَبَتْهم فِيها، وأفْتاهُ في الأمْرِ: أبانَهُ لَهُ، والفُتْيا - بِالضَّمِّ والفَتْوى - ويَفْتَحُ: ما أفْتى بِهِ الفَقِيهُ، وهو يَرْجِعُ إلى الجُودِ وحُسْنِ الخُلُقِ، والفَتَيانِ: اللَّيْلُ والنَّهارُ، ولِذَلِكَ يُسَمَّيانِ الجَدِيدَيْنِ، وفَتِيَتِ البِنْتُ تَفْتِيَةً: مَنَعَتِ اللَّعِبَ مَعَ الصِّبْيانِ، فَهو مِن سَلْبِ الشَّبابِ، أيْ فِعْلِهِ ومِن مَقْلُوبِهِ مَهْمُوزًا: افْتَأتَ عَلَيَّ الباطِلَ: اخْتَلَقَهُ، وبِرَأْيِهِ: اسْتَبَدَّ، وكِلاهُما يَدُلُّ عَلى جُرْأةٍ وطَيْشٍ، وهو بِالشّابِّ الَّذِي لَمْ يُحَنِّكْهُ الدَّهْرُ أجْدَرُ، وافْتُئِتَ - عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ: ماتَ فَجْأةً - كَأنَّ ذَلِكَ أشَدُّ المَوْتِ؛ ومِن واوِيَّةٍ: فاتَ الشَّيْءُ فَوْتًا وفَواتًا: ذَهَبَ فَسَبَقَ فَلَمْ يُدْرِكْ، وفاتَهُ وافْتاتَهُ: ذَهَبَ عَنْهُ فَسَبَقَهُ، (p-٢٠٢)وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قُوَّةِ السّابِقِ، وبَيْنَهُما فَوْتٌ، أيْ بَوْنٌ - كَأنَّ كُلًّا مِنهُما سابِقٌ لِلْآخَرِ، وتَفاوَتَ الشَّيْئانِ وتَفَوَّتا: تَباعَدَ ما بَيْنَهُما، ويَلْزَمُ ذَلِكَ الِاخْتِلافُ والِاضْطِرابُ، ويَلْزَمُهُ العَيْبُ ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ [الملك: ٣] مِن عَيْبٍ، يَقُولُ النّاظِرُ: لَوْ كانَ كَذا كانَ أحْسَنَ، ومَوْتُ الفَواتِ: الفَجْأةُ، وهو فَوْتُ رُمْحِهِ ويَدِهِ، أيْ حَيْثُ يَراهُ ولا يَصِلُ إلَيْهِ، والفَوْتُ: الفُرْجَةُ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ، وافْتَأتَ عَلَيْهِ بِرَأْيِهِ: سَبَقَهُ بِهِ، وفاتَهُ بِهِ وعَلَيْهِ: غَلَّبَهُ، [ولا يَفْتاتُ عَلَيْهِ] أيْ لا يَعْمَلُ دُونَ أمْرِهِ، أيْ لا أحَدَ أشَدُّ مِنهُ فَيَسْبِقُهُ، وافْتاتَ الكَلامَ: ابْتَدَعَهُ - كَما تَقَدَّمَ في المَهْمُوزِ، وافْتاتَ عَلَيْهِ: حَكَمَ - لِقُوَّتِهِ، والفُوَيْتُ - كَزُبَيْرٍ: المُنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ - لِلْمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، وذَلِكَ لِعِدَّةِ نَفْسِهِ شَدِيدًا، وتُفُوِّتَ عَلَيْهِ في مالِهِ: فاتَهُ بِهِ؛ ومِن مَقْلُوبِهِ مَهْمُوزًا: تَفِئَ كَفَرِحَ: احْتَدَّ وغَضِبَ - وذَلِكَ لِشِدَّتِهِ، وتَفِيئَةُ الشَّيْءِ: حِينُهُ وزَمانُهُ، وذَلِكَ أحْسَنُ أحْوالِهِ، ودَخَلَ عَلى تَفِيئَتِهِ أيْ أثَرِهِ أيْ لَمْ يَسْبِقْهُ بِكَثِيرٍ، وذَلِكَ أشَدُّ لَهُ؛ (p-٢٠٣)ومِن واوِيَّةٍ: التُّفَةُ كَقُفُةُ: عِناقُ الأرْضِ وهي تَصِيدُ، وفِيها خِلافٌ يُبَيَّنُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿جَزاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] مِن سُورَةِ سُبْحانَ؛ ومِن مَقْلُوبِهِ واوِيًّا: تافَ بَصَرُهُ يَتُوفُ: تاهَ - كَأنَّهُ لِسَلْبِ الشِّدَّةِ أوِ المَعْنى أنَّهُ وقَعَ في تَوَقَةٍ، أيْ شِدَّةٍ، وما فِيهِ تُوفَةٌ - بِالضَّمِّ - ولا تافَةٌ: عَيْبٌ أوْ مَزِيدٌ أوْ حاجَةٌ وأبْطَأ وكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى شِدَّتِهِ، وطَلَبَ عَلَيَّ تَوْفَةٌ- بِالفَتْحِ،: عَثْرَةٌ وذَنْبًا - مِن ذَلِكَ لِأنَّ العَثْرَةَ والذَّنْبَ لا يُصِيبانِ شَيْئًا إلّا عَنْ شِدَّتِهِما وضَعْفِهِ؛ ومِن مَقْلُوبِهِ مَهْمُوزًا: الأفَتُ - بِالفَتْحِ: النّافَّةُ الَّتِي عِنْدَها مِنَ الصَّبْرِ والبَقاءِ ما لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِها، والسَّرِيعُ الَّذِي يَغْلِبُ الإبِلَ عَلى السَّيْرِ، والكَرِيمُ مِنَ الإبِلِ - ويَكْسِرُ - والدّاهِيَةُ والعَجَبُ، وكُلُّ ذَلِكَ واضِحٌ في القُوَّةِ، والإفِتُ - بِالكَسْرِ: الأوَّلُ - لِأنَّهُ أصْلُ كُلِّ مَعْدُودٍ، وأُفْتُهُ عَنْ ”كَذا: صَرَفَهُ“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب