الباحث القرآني

ولَمّا أياسَهم بِما قالَ عَنْ إطْلاقِ بِنْيامِينَ، حَكى اللَّهُ تَعالى ما أثْمَرَ لَهم ذَلِكَ مِنَ الرَّأْيِ فَقالَ: ﴿فَلَمّا﴾ دالًّا بِالفاءِ عَلى قُرْبِ زَمَنِ تِلْكَ المُراجَعاتِ ﴿اسْتَيْأسُوا مِنهُ﴾ أيْ تَحَوَّلَ رَجاؤُهم لِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ لِما رَأوْا مِن إحْسانِهِ ولُطْفِهِ ورَحْمَتِهِ يَأْسًا شَدِيدًا بِما رَأوْا مِن ثَباتِهِ عَلى أخْذِهِ بِعَيْنِهِ وعَدَمِ اسْتِبْدالِهِ ﴿خَلَصُوا﴾ أيِ انْفَرِدُوا مِن غَيْرِهِمْ حالَ كَوْنِهِمْ ﴿نَجِيًّا﴾ أيْ ذَوِي نَجْوى يُناجِي بَعْضُهم بَعْضًا، مِنَ المُناجاةِ وهي رَفْعُ المَعْنى مِن كُلِّ واحِدٍ إلى صاحِبِهِ في خَفاءٍ، مِنَ النَّجْوِ وهو الِارْتِفاعُ [مِنَ الأرْضِ] - قالَهُ الرُّمّانِيُّ، أوْ تَمَحَّضُوا تَناجِيًا لِإفاضَتِهِمْ فِيهِ (p-١٩٢)بِجِدٍّ كَأنَّهم صُورَةُ التَّناجِي، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما قالُوا؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ كَبِيرُهُمْ﴾ في السِّنِّ وهو رُوبِيلُ: ﴿ألَمْ تَعْلَمُوا﴾ مُقَرَّرًا لَهم بِما يَعْرِفُونَهُ مَعَ قُرْبِ الزَّمانِ لِيَشْتَدَّ تَوَجُّهُهم في بَذْلِ الجُهْدِ في الخَلاصِ مِن غَضَبِ أبِيهِمْ ﴿أنَّ أباكُمْ﴾ أيِ الشَّيْخَ الكَبِيرَ الَّذِي فَجَعْتُمُوهُ في أحَبِّ ولَدِهِ إلَيْهِ. ولَمّا كانَ المَقامُ بِالتَّقْرِيرِ ومَعْرِفَةِ صُورَةِ الحالِ لِتَوَقُّعِ ما يَأْتِي مِنَ الكَلامِ، قالَ: ﴿قَدْ أخَذَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ قَبْلَ أنْ يُعْطِيَكم هَذا الوَلَدَ الآخَرَ ﴿مَوْثِقًا﴾ ولَمّا كانَ اللَّهُ تَعالى هو الَّذِي شَرَعَهُ - كَما مَضى - كانَ كَأنَّهُ مِنهُ، فَقالَ: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ أيْمانُ المَلِكِ الأعْظَمِ: لَتَأْتُنَّهُ بِهِ إلّا أنْ يُحاطَ بِكم ﴿ومِن قَبْلُ﴾ أيْ قَبْلَ هَذا ﴿ما فَرَّطْتُمْ﴾ أيْ قَصَّرْتُمْ بِتَرْكِ التَّقَدُّمِ بِما يَحِقُّ لَكم في ظَنِّ أبِيكم أوْ فِيما ادَّعَيْتُمْ لِأبِيكم تَفْرِيطًا عَظِيمًا، فَإنَّ زِيادَةَ ”ما“ تَدُلُّ عَلى إرادَتِهِ لِذَلِكَ ”فِي“ ضَياعِ ﴿يُوسُفَ﴾ فَلا يُصَدِّقُكم أبُوكم أصْلًا، بَلْ يَضُمُّ هَذِهِ إلى تِلْكَ فَيَعْلَمُ بِها خِيانَتَكم قَطْعًا، وأصْلُ مَعْنى التَّفْرِيطِ،: التَّقَدُّمُ، مِن قَوْلِهِ ﷺ: «أنا فَرَطُكم عَلى الحَوْضِ» . ولَمّا كانَ المَوْضِعُ مَوْضِعَ التَّأسُّفِ والتَّفَجُّعِ والتَّلَهُّفِ، أكَّدَهُ بِـ ”ما“ النّافِيَةِ لِنَقِيضِ المُثْبِتِ كَما سَلَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ، أيْ أنَّ فِعْلَكم في يُوسُفَ ما كانَ إلّا تَفْرِيطًا لا شَكَّ فِيهِ ﴿فَلَنْ أبْرَحَ﴾ أيْ أُفارِقَ هَذِهِ (p-١٩٣)﴿الأرْضَ﴾ بِسَبَبِ هَذا، وإيصالُهُ الفِعْلَ بِدُونِ حَرْفٍ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ صارَ شَدِيدَ الِالتِصاقِ بِها ﴿حَتّى يَأْذَنَ لِي أبِي﴾ في الذَّهابِ مِنها ﴿أوْ يَحْكُمَ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ووَثِقْنا بِهِ ”لِي“ بِخَلاصِ أخِي أوْ بِالذَّهابِ مِنها بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ الَّتِي يَعْلَمُها ويَقْدِرُ عَلى التَّسَبُّبِ لَها ﴿وهُوَ﴾ أيْ ظاهِرًا وباطِنًا ﴿خَيْرُ الحاكِمِينَ﴾ إذا أرادَ أمْرًا بَلَّغَهُ بِإحاطَةِ عِلْمِهِ وشُمُولِ قُدْرَتِهِ، وجَعْلِهِ عَلى أحْسَنِ الوُجُودِ وأتْقَنِها،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب