الباحث القرآني
فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما أجابَهُمْ؟ قِيلَ: ﴿قالَ مَعاذَ اللَّهِ﴾ أيْ نَعُوذُ بِالَّذِي لا مِثْلَ مُعاذًا عَظِيمًا ﴿أنْ نَأْخُذَ﴾ أيْ لِأجْلِ هَذا الأمْرِ ﴿إلا مَن﴾ أيِ الشَّخْصِ الَّذِي ﴿وجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ﴾ ولَمْ يَقُلْ: سَرَقَ مَتاعَنا، لِأنَّهُ - كَما أنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ في الصُّواعِ فِعْلَ السّارِقِ - لَمْ يَقَعْ مِنهُ قَبْلَ ذَلِكَ ما يُصَحِّحُ إطْلاقَ الوَصْفِ عَلَيْهِ؛ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنّا إذًا﴾ أيْ إذا أخَذْنا أحَدًا مَكانَهُ ﴿لَظالِمُونَ﴾ أيْ عَرِيقُونَ في الظُّلْمِ في دِينِكُمْ، (p-١٨١)فَلِمَ تَطْلُبُونَ ما هو ظُلْمٌ عِنْدِكم.
ذَكَرَ بَعْدَ ما سَلَفَ مِن هَذِهِ القِصَّةِ مِنَ التَّوْراةِ
قالَ: وكانَ القَهَمُ - وفي نُسْخَةٍ: الجُوعُ - والإرْجافُ عَلى جَمِيعِ وجْهِ الأرْضِ، فَفَتَحَ يُوسُفُ الأهْراءَ، وأقْبَلَ يَبِيعُ المِصْرِيِّينَ، واشْتَدَّ الجُوعُ بِأرْضِ مِصْرَ، وأقْبَلَ جَمِيعُ أهْلِ الأرْضِ يَأْتُونَ لِلِامْتِيارِ مِن يُوسُفَ.
فَبَلَغَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ بِمِصْرَ طَعامُ مِيرَةَ، فَقالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِبَنِيهِ: لا خَوْفَ عَلَيْكُمْ، لِأنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أنَّ بِمِصْرَ مِيرَةً فاهْبِطُوا إلى هُناكَ، فامْتارُوا لَنا فُنْحِيِي ولا نَمُوتُ. فَهَبَطَ بَنُو يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ [العَشْرَةُ لِيَمْتارُوا مِيرَةً مِن مِصْرَ، فَأمّا بِنْيامِينُ أخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ ] مَعَ إخْوَتِهِ، لِأنَّهُ قالَ: لَعَلَّهُ أنْ يَعْرِضَ لَهُ عارِضٌ، فَأتى بَنُو إسْرائِيلَ لِيَمْتارُوا مَعَ الَّذِينَ كانُوا يَنْطَلِقُونَ، لِأنَّ الجُوعَ اشْتَدَّ في أرْضِ كَنْعانَ، وكانَ يُوسُفُ هو المُسَلَّطُ عَلى الأرْضِ، وكانَ يُمَيِّزُ جَمِيعَ شَعْبِ الأرْضِ، فَأتى إخْوَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ (p-١٨٢)الصَّلاةُ والسَّلامُ فَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا عَلى الأرْضِ، فَرَأى يُوسُفُ إخْوَتَهُ فَأثْبَتَهم وتَناكَرَ عَلَيْهِمْ وكَلَّمَهم بِفَظاظَةٍ وقَساوَةٍ، وقالَ لَهُمْ: مَن أيْنَ أنْتُمْ؟ فَقالُوا: أتَيْنا مِن أرْضِ كَنْعانَ لِنَمْتارَ مِيرَةً، فَذَكَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الرُّؤْيا الَّتِي قَصَّها عَلَيْهِمْ وقالَ لَهُمْ: إنَّكم جَواسِيسُ، وإنَّما أتَيْتُمْ لِتَفْحَصُوا وتَطَّلِعُوا الأرْضَ. فَقالُوا: كَلّا يا سَيِّدَنا! إنَّ عَبِيدَكَ إنَّما أتَوْا لِيَمْتارُوا، نَحْنُ أجْمَعُونَ بَنُو رَجُلٍ واحِدٍ، ونَحْنُ أبْرِياءُ، ولَيْسَ عَبِيدُكَ بِطَلائِعَ، فَقالَ لَهم يُوسُفُ: [لَيْسَ] الأمْرُ كَما تَقُولُونَ، بَلْ إنَّما أتَيْتُمْ لَتَجَسَّسُوا أرْضَنا. فَقالُوا لَهُ: نَحْنُ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا إخْوَةُ عَبِيدِكَ بَنُو رَجُلٍ واحِدٍ بِأرْضِ كَنْعانَ، والآخِرُ هو عِنْدَ أبِينا يَوْمُنا هَذا، والآخَرُ فَقَدْناهُ، فَقالَ لَهم يُوسُفُ: إنِّي إنَّما قُلْتُ لَكُمْ: إنَّكم جَواسِيسُ، مِن أجْلِ هَذا بِهَذِهِ تُمْتَحَنُونَ، وحَقُّ فِرْعَوْنَ! لا أُخْرِجَنَّكم مِن هاهُنا حَتّى يَأْتِيَ أخُوكُمُ الأصْغَرُ إلى (p-١٨٣)هاهُنا. فَنَفْحَصُ عَنْ أقاوِيلِكم إنْ كُنْتُمْ نَطَقْتُمْ بِالحَقِّ والقِسْطِ، وإلّا وحَقُّ فِرْعَوْنَ! إنَّكم طَلائِعُ، فَقَذَفَهم في الحَبْسِ ثَلاثَةَ أيّامٍ، ودَعا بِهِمْ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في اليَوْمِ الثّالِثِ، وقالَ لَهُمُ: افْعَلُوا ما آمُرُكم بِهِ فَتُحَيُّوا، فَإنِّي أُراقِبُ اللَّهَ فِيكُمْ، إنْ كُنْتُمْ أبْرِياءَ فَلْيَحْبِسْ أحَدُكم في مَحْبِسِكم وانْطَلِقُوا أنْتُمْ بِالمِيرَةِ لِلْجُوعِ الَّذِي في بُيُوتِكُمْ، فائْتُونِي بِأخِيكُمُ الأصْغَرِ فَأصَّدَّقَ قَوْلَكم ولا تَمُوتُوا، فَفَعَلُوا كَما أمَرَهُمْ، فَقالَ كُلُّ امْرِئٍ [مِنهُمْ] لِصاحِبِهِ: حَقًّا إنّا قَدِ اسْتَوْجَبْنا السَّجْنَ عَلى أخِينا إذْ رَأيْنا كَرْبَ نَفْسِهِ إذا كانَ يَتَضَرَّعُ إلَيْنا فَلَمْ نَرْحَمْهُ ولَمْ نَتَراءَفْ عَلَيْهِ، فَمِن أجْلِ ذَلِكَ نَزَلَتْ بِنا هَذِهِ البَلِيَّةُ والشَّرُّ، فَأجابَ رُوبَيْلُ وقالَ لَهُمْ: ألَمْ أقُلْ لَكُمْ: لا تَأْثَمُوا بِالغُلامِ، فَلَمْ تَقْبَلُوا، وهو ذا الآنَ نَحْنُ مُطالَبُونَ بِدَمِهِ. ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ يُوسُفَ يَفْهَمُ كَلامَهُمْ، لِأنَّهُ أوْقَفَ تُرْجُمانًا بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ، فَتَنَحّى عَنْهم فَبَكى، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ يُكَلِّمُهُمْ، ثُمَّ أخَذَ مِنهم شَمْعُونُ فَأوْثَقَهُ تُجاهَهم.
وأمَرَ يُوسُفُ بِمَلْءِ أوْعِيَتِهِمْ مِيرَةً، وأمَرَ بَرَدِّ ورِقِ كُلِّ امْرِئٍ مِنهم في وِعائِهِ، وأنْ يُزَوِّدُوا زادًا لِلطَّرِيقِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ كَما أمَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَحَمَلُوا مِيرَتَهم عَلى حَمِيرِهِمْ وانْطَلَقُوا، فَفَتَحَ بَعْضُهم وِعاءَهُ (p-١٨٤)لِيُلْقِيَ قَضِيمًا لِحِمارِهِ في مَبِيتِهِمْ. فَرَأى ورَقَهُ مَوْضُوعًا عَلى طَرَفِ حُمُولَتِهِ. فَقالَ لِإخْوَتِهِ: ورِقِي رَدُّ إلَيَّ وهو ذا عَلى طَرَفِ حُمُولَتِي، فارْتَجَفَتْ قُلُوبُهم وفَزِعَتْ نُفُوسُهُمْ، وتَعَجُّبَ كُلُّ امْرِئٍ مِنهُمْ، فَقالُوا: يا لَيْتَ شِعْرِي ما هَذا الَّذِي صَنَعَهُ اللَّهُ بِنا! فَأتَوْا يَعْقُوبَ أباهم إلى أرْضِ كَنْعانَ، فَأخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ ما عَرَضَ لَهم وقالُوا: إنَّ الرَّجُلَ سَيِّدُ الأرْضِ كَلَّمَنا بِفَظاظَةٍ وقَساوَةٍ. وحَسِبْنا بِمَنزِلَةِ الجَواسِيسِ أتَيْنا لِنُطالِعَ الأرْضَ، فَقُلْنا: إنّا أبْرِياءُ عُدُولٌ، فَلَسْنا بِطَلائِعَ، فَنَحْنُ اثْنا عَشَرَ أخًا بَنُو أبٍ واحِدٍ، فَقَدَ واحِدٌ مِنّا والآخَرُ عِنْدَ أبِينا يَوْمِنا هَذا بِأرْضِ كَنْعانَ، فَقالَ لَنا الرَّجُلُ سَيِّدُ الأرْضِ ورَئِيسُها: بِهَذا أعْلَمُ أنَّكم أبْرارٌ عُدُولٌ، خَلَّفُوا عِنْدِي أحَدَ إخْوَتِكُمْ، واحْمِلُوا مِيرَةً لِلْجُوعِ الَّذِي في بُيُوتِكم. وانْصَرِفُوا فائْتُونِي بِأخِيكُمُ الأصْغَرِ مَعَكُمْ، فَأعْلَمُ حِينَئِذٍ أنَّكم لَسْتُمْ بِطَلائِعَ، بَلْ أنْتُمْ أبْرِياءُ عُدُولٌ، وآمُرُ بِدَفْعِ أخِيكم إلَيْكُمْ، وتَتَّجِرُونَ في الأرْضِ، فَبَيْنَما هم يُفْرِغُونَ أوْعِيَتَهم فَإذا هم بِصُرَّةِ كُلِّ امْرِئٍ مِنهم عَلى طَرَفِ وِعائِهِ فَرَأوْا ورِقَهم مَصُرُورًا فَفَزِعُوا هم وأبُوهم. فَقالَ لَهم أبُوهُمْ: إنَّكم قَدْ أثْكَلْتُمُونِي ولَدِي وأفْقَدْتُمُونِي إيّاهُما، لِأنْ يُوسُفَ فَقَدَتْهُ. وشَمْعانُ مَحْبُوسٌ، (p-١٨٥)وتَنْطَلِقُونَ بِبِنْيامِينَ أيْضًا وقَدْ كَمُلَتْ عَلَيَّ المَصائِبُ كُلُّها، فَقالَ رُوبِيلُ لِأبِيهِ: ثَكَلْتُ بَنِيَّ جَمِيعًا إنْ لَمْ آتِكَ بِهِ! ادْفَعْهُ إلَيَّ وأنا أرُدُّهُ إلَيْكَ، فَقالَ: لا يَهْبِطُ ابْنِي مَعَكُمْ، لِأنَّ أخاهُ يُوسُفَ تُوَفِّيَ وهو وحْدُهُ الباقِيَ لِأُمِّهِ، فَتَعَرَّضَ لَهُ آفَةٌ في الطَّرِيقِ الَّذِي تَسْلُكُونَهُ فَتَنْزِلُونَ [شَيْبَتِي] إلى الجَدَثِ بِالشَّقاءِ والشَّحَبِ.
فاشْتَدَّ الجُوعُ عَلى الأرْضِ، فَلَمّا أكَلُوا الَّذِي أتَوْا بِهِ مِن مِصْرَ وأفْنَوْهُ قالَ لَهم يَعْقُوبُ أبُوهم عَلَيْهِ السَّلامُ: اهْبِطُوا فامْتارُوا لَنا شَيْئًا مِن قَمْحٍ، فَقالَ [لَهُ] يَهُوذا: إنَّ الرَّجُلَ أنْذَرَنا وتَقَدَّمَ إلَيْنا وقالَ: لا تُعايِنُوا وجْهِي إلّا وأخُوكم مَعَكُمْ، فَإنْ أنْتَ أرْسَلْتَ أخانا مَعَنا فَإنّا نَهْبِطُ فَنَمْتارُ، وإنْ لَمْ تَبْعَثْهُ لَمْ نَنْطَلِقْ، فَقالَ لَهم أبُوهُمْ: ولِمَ أسَأْتُمْ إلَيَّ فَأخْبَرْتُمُ الرَّجُلَ أنَّ لَكم أخًا؟ فَقالُوا: الرَّجُلُ سَألَ عَنّا وعَنْ رَهْطِنا وقالَ: إنَّ أباكم في الحَياةِ بَعْدُ؟ وهَلْ لَكَمَ أخٌ؟ فَأخْبَرْناهُ مِن أجْلِ هَذا الكَلامِ، أكُنّا نَعْلَمُ أنَّهُ يَقُولُ: اهْبِطُوا مَعَكم بِأخِيكُمْ؟ وقالَ يَهُوذا لِإسْرائِيلَ أبِيهِ: سَرِّحِ الغُلامَ فَنَنْطَلِقَ فَنَحْيى ولا نَمُوتُ [نَحْنُ] وأنْتَ أيْضًا وحَشَمُنا، أنا أكْفُلُ بِهِ. فَإنْ لَمْ آتِكَ بِهِ فَأُقِيمُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَأنا مُخْطِئٌ (p-١٨٦)بَيْنَ يَدَيْ أبِي جَمِيعِ الأيّامِ.
فَقالَ أبُوهم إسْرائِيلَ: إذا كانَ الأمْرُ هَكَذا فافْعَلُوا ما آمُرُكم بِهِ: احْمِلُوا في أوْعِيَتِكم مِن ثِمارِ هَذِهِ الأرْضِ شَيْئًا مِن صَنَوْبَرَ وعَسَلٍ وعَلَّكَ البُطْمِ وخَرُّوبٍ وحُبِّ السَّرْوِ وبُطْمٍ ولَوْزٍ، وخُذُوا مِنَ الوَرِقِ ضِعْفُ الَّذِي في أوْعِيَتِكُمْ، لَعَلَّ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ وهْمًا مِنهُمْ، وانْطَلِقُوا بِأخِيكم إلى الرَّجُلِ، وارْجِعُوا إلَيَّ كُلُّكُمْ، وإلَهُ المَواعِيدِ يُظْفِرُكم مِنَ الرَّجُلِ بِرَحْمَةٍ ورَأْفَةٍ، فَيُرْسِلُ بِأخِيكُمُ الآخَرِ مَعَكم وبِنْيامِينَ أيْضًا، فَأخَذَ القَوْمُ هَذِهِ الهَدِيَّةَ وضَعْفًا مِنَ الفِضَّةِ، وانْطَلَقُوا مَعَهم بِبِنْيامِينَ وأتَوْا يُوسُفَ فَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَرَأى يُوسُفُ بِنْيامِينَ مَعَهم فَقالَ لِحاجِبِهِ: أدْخِلِ القَوْمَ إلى المَنزِلِ، واذْبَحْ ذَبِيحًا، وهِيِّئِ الغَداءَ، لِأنَّ القَوْمَ يَتَغَدَّوْنَ مَعِي ظُهْرًا، فَفَعَلَ العَبْدُ كَما أمَرَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأدْخَلَ القَوْمُ إلى مَنزِلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وقالُوا: إنَّهم إنَّما يُدْخِلُونَنا لِسَبَبِ الوَرِقِ الَّذِي وجَدْنا في أعْدالِنا مِن قَبْلُ، فَيُرِيدُونَ أنْ يَتَطاوَلُوا عَلَيْنا ويَمْكُرُوا بِنا، فَيَجْعَلُونا عَبِيدًا ودَوابُّنا مِلْكًا، فَدَنَوْا مِنَ الرَّجُلِ حاجِبٌ - وفي نُسْخَةٍ: خازِنٌ - يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ. فَكَلَّمُوهُ عَلى بابِ المَنزِلِ، وقالُوا لَهُ: إنّا نَطْلُبُ إلَيْكَ يا سَيِّدَنا أنّا هَبَطْنا أوَّلًا إلى هاهُنا فامْتَرْنا قَمْحًا، فَلَمّا (p-١٨٧)طَلَعْنا وصِرْنا في البَيْتِ إذا نَحْنُ بِوَرِقِ كُلِّ واحِدٍ مِنّا في عَدْلِهِ، فَقَدْ رَدَدْنا أوْراقَنا بِوَزْنِها مَعَنا وأتَيْنا مَعَها بِأوْراقٍ أُخَرَ لِنَمْتارَ بِها، ولا نَعْلَمُ مِنَ الَّذِي صَيَّرَ أوْراقَنا في أوْعِيَتِنا؟ فَقالَ لَهُمُ: السَّلامُ لَكُمْ، لا تَخافُوا ولا تَسْتَوْفِضُوا، إلَهُكم إلَهُ المَواعِيدِ إلَهُ أبِيكم ذُخْرٌ لَكم هَذِهِ الذَّخِيرَةُ في أوْعِيَتِكُمْ، لِأنَّ ورِقَكم قَدْ صارَ في قَبْضَتِي، وأخْرَجَ إلَيْهِمْ شَمْعُونَ، فَأدْخَلَ العَبْدُ القَوْمَ إلى مَنزِلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأتاهم بِماءٍ فَغَسَلُوا أيْدِيَهم وأقْدامَهُمْ، وألْقى قَضْمِيا لِدَوابِّهِمْ، فَأعَدَّ القَوْمُ هَدِيَّتَهم قَبْلَ دُخُولِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وقْتَ القائِلَةِ لِأنَّهُ بَلَّغَهم أنَّ غَداءَهم يَكُونُ هُناكَ، فَدَخَلَ يُوسُفُ إلى مَنزِلِهِ، فَأدْخَلُوا هَدِيَّتَهم فَوَضَعُوها بَيْنَ يَدَيْهِ في مَنزِلِهِ، وخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا عَلى الأرْضِ، فَسَألَهم عَنْ سَلامَتِهِمْ وقالَ: أسالِمُ هُوَ؟ أبُوكُمُ الَّذِي أخْبَرْتُمُونِي عَنْهُ أنَّهُ الحَياةُ هو بَعْدُ؟ فَقالُوا: إنَّ أبانا عَبَدَكَ سالِمٌ، ثُمَّ جَثَوْا فَسَجَدُوا فَرَفَعَ بَصَرَهُ فَأبْصَرَ بِنْيامِينَ أخاهُ ابْنُ أُمِّهِ فَقالَ لَهُمْ: هَذا أخُوكُمُ الَّذِي أخْبَرْتُمُونِي عَنْهُ؟ فَقالُوا: نَعَمْ؟ فَقالَ لَهُ: اللَّهُ يَتَرَأَّفُ عَلَيْكم يا بَنِيَّ، فاسْتَعْجَلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ (p-١٨٨)السَّلامَ لِأنَّهُ رَقَّ لَهُ وتَحَنَنَّ عَلَيْهِ فَأرادَ البُكاءَ، فَدَخَلَ [إلى] مَكانِهِ فَبَكى هُناكَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ وخَرَجَ فَصَبَرَ نَفْسَهُ، فَأمَرَ أنْ يَأْتُوهم بِالغَداءِ، فَوَضَعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وحْدَهُ، وقَرُبُوا إلَيْهِمْ وحْدَهُمْ، لِأنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أهْلَ مِصْرَ أنْ يَأْكُلُوا مَعَ العِبْرانِيِّينَ، لِأنَّ هَذِهِ نَجاسَةٌ عِنْدَ المِصْرِيِّينَ، فَأمَرَ فاتَّكَأ الأكْبَرُ عَلى قَدْرِ سِنِّهِ والأصْغَرُ عَلى قَدْرِ سِنِّهِ، فَتَعَجَّبَ القَوْمُ ومَكَثُوا مُحَيَّرِينَ مَشْدُوهِينَ، فَأعْطى كُلَّ واحِدٍ مِنهم مِن بَيْنَ يَدَيْهِ جُزْءًا، وأعْطى بِنْيامِينُ أكْثَرَ مِنهُمْ: خَمْسَةُ أنْصِبَةٍ، فَشَرِبُوا.
فَأمَرَ خازِنَهُ وقالَ لَهُ: أوْقِرُ أوْعِيَةَ القَوْمِ مِنَ البَرِّ ما أمْكَنَهم حَمْلَهُ، وصَيَّرَ ورِقَ كُلِّ امْرِئٍ مِنهم عَلى طَرَفِ وِعائِهِ، وخُذْ طاسِي [طاسَ] الفِضَّةِ وصَيِّرْهُ في وِعاءِ الأصْغَرِ مَعَ ورِقِ مِيرَتِهِ، فَفَعَلَ العَبْدُ كَما أمَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ سَرَّحُ القَوْمُ لِيَنْطَلِقُوا [هم وحَمِيرُهُمْ]، فَخَرَجُوا مِنَ القَرْيَةِ، وقَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا مِنها قالَ يُوسُفُ لِخازِنِهِ: قُمْ فامْضِ في طَلَبِ القَوْمِ وألْحَقُهم وقُلْ لَهُمْ: لِمَ كافَيْتُمُ الشَّرَّ بَدَلَ الخَيْرِ، فَأخَذْتُمُ الطّاسَ الَّذِي يَشْرَبُ فِيهِ سَيِّدِي ويَعْتافُ فِيهِ اعْتِيافًا، فَأسَأْتُمْ فِيما جاءَ مِنكُمْ، فَلَحِقَهم وقالَ لَهم هَذِهِ الأقاوِيلَ، فَقالُوا لَهُ: (p-١٨٩)لا تَقُولَنَّ يا سَيِّدَنا هَذِهِ الأقاوِيلَ، مَعاذَ اللَّهُ أنْ يَفْعَلَ عَبِيدُكَ هَذِهِ الفِعالَ! نَحْنُ رَدَدْنا أوْراقَنا الَّتِي وجَدْنا في أوْعِيَتِنا مِن أرْضِ كَنْعانَ، فَكَيْفَ نَسْرِقُ مِن بَيْتِ سَيِّدِكَ ذَهَبًا أوْ فِضَّةً، مَن وجَدَ عِنْدَهُ مِن عَبِيدِكَ فَلْيَمُتْ ونَكُنْ نَحْنُ عَبِيدًا لِسَيِّدِنا! قالَ لَهُمْ: هو عَلى ما تَقُولُونَ، مِن وجَدَ عِنْدَهُ فَهو يَكُونُ لِي عَبْدًا، وأنْتُمْ تَكُونُونَ فَلِحِينَ طاهِينَ، فاسْتَعْجَلَ كُلٌّ مِنهم وِعاءَهُ، فَفَتَّشُوا ابْتِداءً بِالأكْبَرِ وانْتِهاءً إلى الأصْغَرِ، فَوَجَدُوا الطّاسَ في وِعاءِ بِنْيامِينَ، فَمَزَّقُوا ثِيابَهم وخَرَقُوها. وحَمَلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم وِعاءَهُ عَلى حِمارِهِ، ورَجَعُوا إلى القَرْيَةِ، فَدَخَلَ يَهُوذا وإخْوَتُهُ عَلى يُوسُفَ وكانَ في مَنزِلِهِ بَعْدُ، فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلى الأرْضِ، فَقالَ لَهم يُوسُفُ: ما هَذا الفِعْلُ الَّذِي جاءَ مِنكُمْ؟ أما تَعْلَمُونَ أنَّ رَجُلًا مِثْلِي يَعْتافُ - وفي نُسْخَةٍ: يَمْتَحِنُ - بِكَأْسٍ اعْتِيافًا؟ لِمَ تَتَعَدَّوْنَ عَلَيْهِ وتَأْخُذُونَهُ؟ فَقالَ يَهُوذا: بِماذا نُكَلِّمُ سَيِّدَنا! وبِماذا نَنْطِقُ! وبِماذا نَفْلَحُ - وفي نُسْخَةٍ: نَحْتَجُّ - مِن عِنْدِ اللَّهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الخَطِيئَةُ بِعَبِيدِكَ، هُوذا نَحْنُ عَبِيدٌ لِسَيِّدِنا نَحْنُ ومَن أُصِيبَ الكَأْسُ عِنْدَهُ، فَقالَ: مَعاذَ اللَّهِ (p-١٩٠)أنْ أفْعَلَ هَذا! بَلِ الرَّجُلُ الَّذِي وجَدَ الكَأْسَ عِنْدَهُ يَكُونُ لِي عَبْدًا، وأنْتُمْ فاصْعَدُوا بِسَلامٍ إلى أبِيكم.
فَدَنا مِنهُ يَهُوذا فَقالَ: أنا أطْلُبُ إلَيْكَ يا سَيِّدِي أنْ تَأْذَنَ لِعَبْدِكَ بِالكَلامِ بَيْنَ يَدَيْكَ، يا سَيِّدِ! ولا تُشْعِلْ غَضَبَكَ عَلى عَبِيدِكَ، لِأنَّكَ مِثْلَ فِرْعَوْنَ، سَألَ سَيِّدِي عَبِيدَهُ فَقالَ لَهُمْ: هَلْ لَكم أبٌ أوْ أخٌ؟ فَقُلْنا لِسَيِّدِنا: إنَّ لَنا أبًا شَيْخًا وابْنًا لَهُ صَغِيرًا وُلِدَ عَلى كِبَرِ سِنِّهِ، وإنَّ أخاهُ ماتَ، وهو الباقِي وحْدَهُ لِأُمِّهِ، وأبُوهُ يُحِبُّهُ، وأمَرْتُ عَبِيدَكَ وقُلْتَ: اهْبِطُوا بِهِ إلَيَّ حَتّى أعْرِفَهُ وأُعايِنَهُ، فَقُلْنا لِسَيِّدِنا: لا يَقْدِرُ الغُلامُ عَلى مُفارَقَةِ أبِيهِ، لِأنَّهُ إنْ فارَقَهُ أبُوهُ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ لِعَبِيدِكَ: إنَّهُ لَمْ يَهْبِطْ أخُوكُمُ الأصْغَرُ مَعَكم فَلا تُعَوِّدُوا أنْ تُعايِنُوا وجْهِي، فَلَمّا صَعِدْنا إلى عَبْدِكَ أبِينا أخْبَرْناهُ بِقَوْلِ سَيِّدِنا فَقالَ لَنا عَبْدُكَ أبُونا: ارْجِعُوا فامْتارُوا شَيْئًا [مِن بُرٍّ]، فَقُلْنا لِأبِينا: لا نَقْدِرُ عَلى الهُبُوطِ إلى أنْ [نَهْبِطُ] بِأخِينا الأصْغَرِ مَعَنا، لِأنّا لا نَقْدِرُ عَلى مُعايَنَةِ وجْهِ الرَّجُلِ إنْ لَمْ يَكُنْ أخُونا مَعَنا، فَقالَ [لَنا] عَبَدُكَ أبُونا: أنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ امْرَأتِي ولَدَتْ لِيَ ابْنَيْنِ، فَخَرَجَ واحِدٌ مِن عِنْدِي فَقُلْتُمْ: إنَّهُ قُتِلَ قَتْلًا، فَلَمْ أُعايِنْهُ إلى يَوْمِ النّاسِ هَذا، فَتَحْمِلُونَ أيْضًا هَذا مِن عِنْدِي فَيَعْرِضُ لَهُ صَيْدٌ (p-١٩١)فَتَهْبِطُونَ بِشَيْخُوخَتِي بِحُزْنٍ وشَرِّ القَبْرِ، والآنَ إذا نَحْنُ انْطَلَقْنا إلى عَبْدِكَ أبِينا ولَيْسَ الغُلامُ مَعَنا ونَفْسُهُ حَبِيبَةٌ إلَيْهِ، فَإذا عَلِمَ أنَّ الغُلامَ لَيْسَ هو مَعَنا يَمُوتُ فَيَهْبِطُ عَبْدُكَ شَيْبَةُ أبِينا بِالشَّقاءِ والتَّشْحِيبِ، لِأنَّ عَبْدَكَ ضَمِنَ الغُلامَ لِأبِينا، وقُلْتُ: إنِّي إذا لَمْ آتِكَ بِهِ أُخْطِئُ باقِي جَمِيعِ الأيّامِ، والآنَ فَلْيَبْقَ عَبْدُكَ بَدَلُ الغُلامِ عَبْدًا لِسَيِّدِي، ولِيَصْعَدِ الغُلامُ مَعَ إخْوَتِهِ، لِأنِّي أُفَكِّرُ كَيْفَ أصْعَدُ إلى أبِي ولَيْسَ الغُلامُ مَعِي كَيْلا أُعايِنَ الشَّرَّ الَّذِي يَنْزِلُ بِأبِي.
{"ayah":"قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأۡخُذَ إِلَّا مَن وَجَدۡنَا مَتَـٰعَنَا عِندَهُۥۤ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّظَـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











