الباحث القرآني

وكَأنَّهُ في المَرَّةِ الأوْلى أيْضًا في تَجْهِيزِهِمْ لِيَتَعَرَّفَ أخْبارَهم في طُولِ المُدَّةِ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، ولِذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْ بِالفاءِ، وأسْرَعَ في تَجْهِيزِهِمْ في هَذِهِ المَرَّةِ قَصْدًا إلى انْفِرادِهِ بِأخِيهِ مِن غَيْرِ رَقِيبٍ بِالحِيلَةِ الَّتِي دَبَّرَها. فَلِذَلِكَ أتَتِ الفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا جَهَّزَهُمْ﴾ أيْ أعْجَلُ جِهازٍ وأحْسَنُهُ ﴿بِجَهازِهِمْ﴾ ويُؤَيِّدُهُ ”فِلْمًا جاءَ أمْرنا“ في قِصَّتَيْ صالِحٍ ولُوطٍ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - كَما مَضى في سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿جَعَلَ﴾ أيْ بِنَفْسِهِ أوْ بِمَن أمَرَهُ ﴿السِّقايَةَ﴾ الَّتِي لَهُ. وهي إناءٌ يَسْقِي بِهِ ﴿فِي رَحْلِ أخِيهِ﴾ شَقِيقِهِ، لِيَحْتالَ بِذَلِكَ عَلى إبْقائِهِ عِنْدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأنَّ البَصِيرَ لا يَقْضِي بِسَرِقَتِهِ بِذَلِكَ، مَعَ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ الصُّواعُ دُسَّ في رَحْلِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَما فَعَلَ بِبِضاعَتِهِمْ في المَرَّةِ الأُولى، وأمّا غَيْرُ البَصِيرِ فَضَرَرُ ثُبُوتِ ذَلِكَ في ذِهْنِهِ مُفْتَقِرٌ لِأنَّهُ يَسِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَتَرَتَّبُ (p-١٦٩)عَلَيْهِ مِنَ النَّفْعِ مَن أُلْفِ إخْوَتِهِ بِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وزَوالُ وحْشَتِهِمْ مِنهُ بِإقامَتِهِ عِنْدَهُ - كَما سَيَأْتِي مَعَ مَزِيدِ بَيانٍ - هَذا مَعَ تَحَقُّقِ البَراءَةِ عَنْ قُرْبٍ، فَهو مِن بابِ ارْتِكابِ أخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، ثُمَّ أمْهَلَهم حَتّى انْطَلَقُوا، ثُمَّ أرْسَلَ إلَيْهِمْ فَحُبِسُوا ﴿ثُمَّ﴾ أيْ بَعْدَ انْطِلاقِهِمْ وإمْعانِهِمْ في السَّيْرِ ﴿أذَّنَ﴾ أيْ أعْلَمَ فِيهِمْ بِالنِّداءِ ﴿مُؤَذِّنٌ﴾ قائِلًا بِرَفِيعِ صَوْتِهِ وإنْ كانُوا في غايَةِ القُرْبِ مِنهُ - بِما دَلَّ عَلَيْهِ إسْقاطُ الأداةِ: ﴿أيَّتُها العِيرُ﴾ أيْ أهْلُها، وأكَّدَ لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ ﴿إنَّكم لَسارِقُونَ﴾ أيْ ثابِتٌ لَكم ذَلِكَ لا مَحالَةَ حَقِيقَةً بِما فَعَلْتُمْ في حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أوْ مَجازًا بِأنَّكم فاعِلُونَ فِعْلَ السّارِقِ - كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ آنِفًا، مَعَ أنَّ هَذا النِّداءَ لَيْسَ مِن قَوْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَكُونُ بِأمْرِهِ حَتّى يَحْتاجَ إلى تَصْحِيحِهِ، بَلْ يَكُونُ قائِلُهُ فَهِمَ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: صَواعِي مَعَ الرَّكْبِ، أوْ كَأنَّهم أخَذُوا صَواعِي فاذْهَبْ فَآتِنِي بِهِ أوْ بِهِمْ - ونَحْوُ ذَلِكَ مِمّا هو حُقٌّ في نَفْسِهِ؛ والعِيرُ: القافِلَةُ الَّتِي فِيها الأحْمالُ، والأصْلُ فِيها الحَمِيرُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتّى أطْلَقَ عَلى كُلِّ قافِلَةٍ تَشْبِيهًا بِها، وقَدْ تَضَمَّنَتِ الآيَةُ البَيانَ عَمّا يُوجِبُهُ التَّلَطُّفُ في بُلُوغِ المُرادِ مِن إيقاعِ الأسْبابِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَيْهِ وتَبْعَثُ عَلَيْهِ بِظاهِرٍ جَمِيلٍ وباطِنٍ حَقٍّ مِمّا يَخْفى عَلى كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ مَوْقِعُهُ، ويُشْكِلُ عَلَيْهِ وجْهُهُ، لِأنَّهُ أنْفَذُ لَهُ وأنْجَحُ لِلْمَطْلُوبِ مِنهُ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب