الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ ما قَدَّمَهُ مِمّا هو الأهَمُّ - مِن نَزاهَةِ الصَّدِيقِ، وعَلِمَ المَلِكُ بِبَراءَتِهِ وما يُتْبِعُها - عَلى ما كانَ قَلْبُهُ مِن أمْرِ المَلِكِ بِإحْضارِهِ إلَيْهِ، أتْبَعُهُ إيّاهُ عاطِفًا لَهُ عَلى ما كانَ في نَسَقِهِ مِن قَوْلِهِ ﴿قالَ ما خَطْبُكُنَّ﴾ [يوسف: ٥١] فَقالَ: ﴿وقالَ المَلِكُ﴾ صَرَّحَ بِهِ ولَمْ يَسْتَغْنِ بِضَمِيرِهِ كَراهِيَةَ الإلْباسِ لِما تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ جَوابِ امْرَأةِ العَزِيزِ مِن كَلامِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَوْ كانَ الكُلُّ مِن كَلامِها لاسْتَغْنى بِالضَّمِيرِ ولَمْ يَحْتَجْ إلى (p-١٣٠)إبْرازِهِ ﴿ائْتُونِي بِهِ أسْتَخْلِصْهُ﴾ أيْ أطْلُبُ وأُوجِدُ خُلُوصَهُ ﴿لِنَفْسِي﴾ أيْ فَلا يَكُونُ لِي فِيهِ شَرِيكٌ، قَطْعًا لِطَمَعِ العَزِيزِ عَنْهُ، ودَفْعًا لِتَوَهُّمِ أنَّهُ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، ولَعَلَّ هَذا [هُوَ] مُرادُ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالتَّلَبُّثِ في السِّجْنِ إلى انْكِشافِ الحالِ، خَوْفًا مِن أنْ يَرْجِعَ إلى العَزِيزِ فَتَعُودُ المَرْأةُ إلى حالِها الأُولى فَيَزْدادُ البَلاءُ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَرَجَعَ رَسُولُ المَلِكِ إلَيْهِ فَأخْبَرَهُ أنَّ المَلِكَ سَألَ النِّسْوَةَ [فَقُلْنَ] ما مَضى، وأمَرَ بِإحْضارِهِ لِيَسْتَخْلِصَهُ لِنَفْسِهِ، فَقالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما تَقَدَّمَ مِن تِلْكَ الحِكَمِ البالِغَةِ، وأجابَ أمْرَ المَلِكِ فَأتى إلَيْهِ بَعْدَ أنْ دَعا لِأهْلِ السِّجْنِ فَقالَ: اللَّهُمَّ! عَطَفَ عَلَيْهِمْ قُلُوبَ الأخْيارِ [ولا تَعُمُّ عَلَيْهِمُ الأخْبارُ]، وكَتَبَ عَلى بابِ السِّجْنِ: هَذِهِ مَنازِلُ البَلْوى، وقُبُورُ الأحْياءِ، وبُيُوتُ الأحْزانِ، وتَجْرِبَةُ الأصْدِقاءِ، وشَماتَةُ الأعْداءِ. ثُمَّ اغْتَسَلَ وتَنَظَّفَ ولَبِسَ ثِيابًا جُدُدًا وقَصَدَ إلَيْهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ بِالفاءِ - دَلِيلًا عَلى إسْراعِهِ في ذَلِكَ - قَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا كَلَّمَهُ﴾ وشاهَدَ المَلِكُ فِيهِ ما شاهَدَ مِن جَلالِ النُّبُوَّةِ وجَمِيلِ الوِزارَةِ وخِلالِ السِّيادَةِ ومَخايِلِ السَّعادَةِ ﴿قالَ﴾ مُؤَكِّدًا (p-١٣١)تَمْكِينًا لِقَوْلِهِ دَفْعًا لِمَن يَظُنُّ أنَّهُ بَعْدَ السِّجْنِ وما قارَبَهُ لا يَرْفَعُهُ هَذِهِ الرِّفْعَةَ: ﴿إنَّكَ اليَوْمَ﴾ وعَبَّرَ بِما هو لِشِدَّةِ الغَرابَةِ تَمْكِينًا لِلْكَلامِ أيْضًا فَقالَ: ﴿لَدَيْنا مَكِينٌ﴾ أيْ شَدِيدُ المُكْنَةِ، مِنَ المَكانَةِ، وهي حالَةٌ يَتَمَكَّنُ بِها صاحِبُها مِن مُرادِهِ ﴿أمِينٌ﴾ مِنَ الأمانَةِ، وهي حالٌ يُؤْمَنُ مَعَها نَقْضُ العَهْدِ، وذَلِكَ أنَّهُ قِيلَ: إنَّ المَلِكَ كانَ يَتَكَلَّمُ بِسَبْعِينَ لِسانًا [فَكَلَّمَهُ بِها، فَعَرَّفَها كُلَّها، ثُمَّ دَعا لِلْمَلِكِ بِالعِبْرانِيِّ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ المَلِكُ فَقالَ لَهُ: ما هَذا اللِّسانُ؟ قالَ: لِسانُ ] آبائِي، فَعَظُمَ عِنْدَهُ جِدًّا،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب