الباحث القرآني

فَكَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالَ لَهُ أبُوهُ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ﴾ عالِمًا بِأنَّ إخْوَتَهُ سَيَحْسُدُونَهُ عَلى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الرُّؤْيا إنْ سَمِعُوها ﴿يا بُنَيَّ﴾ فَبَيَّنَ شَفَقَتَهُ عَلَيْهِ، وأكَّدَ النَّهْيَ بِإظْهارِ الإدْغامِ فَقالَ: ﴿لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ﴾ أيْ هَذِهِ ﴿عَلى إخْوَتِكَ﴾ ثُمَّ سَبَّبَ عَنِ النَّهْيِ قَوْلُهُ: ﴿فَيَكِيدُوا﴾ أيْ: فَيُوقِعُوا ﴿لَكَ كَيْدًا﴾ أيْ: يَخُصُّكَ، فاللّامُ لِلِاخْتِصاصِ. وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا نَهْيَ عَنِ الغِيبَةِ لِلنَّصِيحَةِ، بَلْ هي مِمّا يُنْدَبُ إلَيْهِ؛ قالَ الرُّمانِيُّ: والرُّؤْيا: تَصَوُّرُ المَعْنى في المَنامِ عَلى تَوَهُّمِ الإبْصارِ، وذَلِكَ أنَّ العَقْلَ مَغْمُورٌ بِالنَّوْمِ، فَإذا تَصَوَّرَ الإنْسانُ المَعْنى تَوَهَّمَ أنَّهُ يَراهُ؛ وقالَ الإمامُ الرّازِي في اللَّوامِعِ: هي رُكُودُ الحَواسِّ الظّاهِرَةِ عَنِ الإدْراكِ والإحْساسِ، وحَرَكَةِ المَشاعِرِ الباطِنَةِ إلى المَدارِكِ، فَإنَّ لِلنَّفْسِ الإنْسانِيَّةِ حَواسَّ ظاهِرَةً ومَشاعِرَ باطِنَةً، فَإذا سَكَنَتِ الحَواسُّ الظّاهِرَةُ اسْتُعْمِلَتِ الحَواسُّ الباطِنَةُ في إدْراكِ الأُمُورِ الغائِبَةِ، فَرُبَّما تُدْرِكُها عَلى الصُّورَةِ الَّتِي هي عَلَيْها، فَلا يَحْتاجُ إلى تَعْبِيرٍ، ورُبَّما تَراها في صُورَةٍ مُحاكِيَةٍ مُناسِبَةٍ لَها فَيَحْتاجُ إلى التَّعْبِيرِ، مِثالُ الأوَّلِ رُؤْيا النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرامَ، (p-١٨)والثّانِي كَرُؤْيا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هَذِهِ. وقالَ الرُّمانِيُّ: والرُّؤْيا الصّادِقَةُ لَها تَأْوِيلٌ، والرُّؤْيا الكاذِبَةُ لا تَأْوِيلَ لَها - انْتَهى. وهَذا لِمَن يَنامُ قَلْبُهُ وهم مِن عَدا الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ولَمّا كانَتِ العادَةُ جارِيَةً بِأنَّ شَفَقَةَ الإخْوَةِ تَمْنَعُ مِن مِثْلِ ذَلِكَ، عَلَّلَهُ تَقْرِيبًا لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الشَّيْطانَ﴾ أيِ المُحْتَرِقَ المُبْعَدَ ﴿لِلإنْسانِ﴾ أيْ عامَّةٍ ولا سِيَّما الأكابِرُ مِنهم ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أيْ واضِحُ العَداوَةِ ومُوَضِّحُها لِكُلِّ واعٍ فَيُوقِعُ العَداوَةَ بِما يُخَيِّلُهُ مِن فَوْتِ الحُظُوظِ بِتَرْكِها، وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ أمْرَ الرُّؤْيا مُشْكَلٌ، فَلا يَنْبَغِي أنْ تَقُصَّ إلّا عَلى شَفِيقٍ ناصِحٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب