الباحث القرآني

ولَمّا أقامَ لَهُمُ الدَّلِيلَ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ الحَنِيفِيِّ تَبَعًا لِخُلاصَةِ الخَلْقِ، بِما تَقَرَّرَ في الأذْهانِ مِن أنَّ اللَّهَ تَعالى هو المُنْعِمُ وحْدَهُ سُبْحانَهُ فَيَجِبُ شُكْرُهُ، بَعْدَ أنْ قَرَّرَ لَهم أمْرَ نُبُوَّتِهِ وأقامَ دَلِيلَها بِما يُخْبِرُهم بِهِ مِنَ المُغَيَّباتِ، ودَعاهم إلى ما يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّوْحِيدِ وهو الإسْلامُ، وكانَ أكْثَرَ الخَلْقِ إلّا الفَذُّ النّادِرُ يُقِرُّونَ بِالإلَهِ الحَقِّ، ولَكِنَّهم يُشْرِكُونَ بِهِ بَعْضَ خَلْقِهِ، أتْبَعَهُ بِرِهانَ التَّمانُعِ عَلى فَسادِ كُلِّ مِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ الَّذِي يُطابِقُ عَلَيْهِ الأنْبِياءُ والرُّسُلُ كُلُّهُمْ، تَأْيِيدًا لِأدِلَّةِ النَّقْلِ بِقاطِعِ العَقْلِ، [فَقالَ -] مُنادِيًا لَهُما بِاسْمِ الصُّحْبَةِ بِالأداةِ الَّتِي تُقالُ عِنْدَ ما لَهُ وقْعٌ عَظِيمٌ في النُّفُوسِ في المَكانِ الَّذِي تُخْلِصُ فِيهِ المَوَدَّةُ، وتُمَحَّضُ فِيهِ النَّصِيحَةُ، وتُصَفِّي فِيهِ القُلُوبَ، ويَتَعَمَّدُ الإخْلاصُ رَجاءَ الخَلاصِ -: ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ والصُّحْبَةُ: مُلازَمَةُ اخْتِصاصٍ كَأصْحابِ الشّافِعِيِّ مَثَلًا، لِمُلازَمَةِ الِاخْتِصاصِ بِمَذْهَبِهِ، وهي خِلافُ مُلازَمَةِ الِاتِّصالِ. ولَمّا فَرَغَ أفْهامُهُما بِالنِّداءِ لِما يُلْقِيهِ، قَرْعُ أسْماعِهِما بِالإنْكارِ مَعَ التَّقْرِيرِ فَقالَ: ﴿أأرْبابٌ﴾ أيْ آلِهَةٌ ﴿مُتَفَرِّقُونَ﴾ مُتَبايِنُونَ بِالذَّواتِ والحَقائِقِ تُشاهِدُونَهم مُحْتاجِينَ إلى المَكانِ مَعَ كَوْنِهِمْ جَمادًا، ولَوْ كانُوا أحْياءً لَأمْكَنَ تَمانُعُهُمْ، فَأدّى إلى إمْكانِ عَجْزِ كُلٍّ مِنهُمُ القاطِعُ بِعَدَمِ صَلاحِيَتِهِ لِلْإلَهِيَّةِ (p-٨٨)﴿خَيْرٌ﴾ أيْ أعْظَمُ في صِفَةِ المَدْحِ وأوْلى بِالطّاعَةِ ﴿أمِ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى ﴿الواحِدُ﴾ بِالذّاتِ، فَهو لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ أصْلًا ﴿القَهّارُ﴾ لِكُلِّ شَيْءٍ، لا يَزالُ قَهْرُهُ يَتَكَرَّرُ أبَدًا، فَهَذا بُرْهانٌ لا خَطَأ بِهِ كَما ظَنَّ، وأبْرَزَهُ ﷺ عَلى وجْهِ الِاسْتِفْهامِ اسْتِجْلابًا لِلسّامِعِ بَرَدَ العَلَمُ إلَيْهِ، وسَمّاها أرْبابًا لِمِثْلِ ذَلِكَ بِناءً عَلى زَعْمِهِمْ، وكَذا المُشارَكَةُ في أفْعَلِ التَّفْضِيلِ، لِأنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ إلى الإنْصافِ، لِكَوْنِهِ ألْيَنَ في القَوْلِ، فَيَكُونُ أدْعى إلى القَبُولِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب