الباحث القرآني

ثُمَّ [اتَّبَعَ -] ذَلِكَ بِما يَدُلُّ عَلى شَرَفِ أصْلِهِ وقَدَّمَ فَضْلَهُ بِأنَّهُ مِن بَيْتِ النُّبُوَّةِ ومَعْدِنِ الفُتُوَّةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أدْعى إلى قَبُولِ كَلامِهِ وإصابَةِ (p-٨٥)سِهامِهِ [وإفْضاءِ مَرامِهِ -]، فَقالَ: ﴿واتَّبَعْتُ﴾ أيْ بِغايَةِ جُهْدِي ورَغْبَتِي ﴿مِلَّةَ آبائِي إبْراهِيمَ﴾ خَلِيلُ اللَّهِ، وهو جَدُّ أبِيهِ ”وإسْحاقُ“ ابْنُهُ نَبِيُّ اللَّهِ وهو جَدُّهُ ﴿ويَعْقُوبَ﴾ أبِيهِ إسْرائِيلُ: اللَّهُ. وهو أبُوهُ حَقِيقَةً، وتِلْكَ هي الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ الَّتِي هي المَيْلُ مَعَ الدَّلِيلِ مِن غَيْرِ جُمُودٍ مَعَ هَوًى بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ وغَيْرِهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: ”«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أيُّ النّاسِ أكْرَمُ؟ قالَ: أكْرَمُهم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاهُمْ، قالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذا نَسْألُكَ. قالَ: [فَأكْرَمُ النّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ: ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، قالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذا نَسْألُكَ، قالَ -]: فَعَنْ مَعادِنِ العَرَبِ تَسْألُونِي؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: فَخِيارُكم في الجاهِلِيَّةِ خِيارُكم في الإسْلامِ إذا فَقِهُوا» فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما تِلْكَ المِلَّةُ؟ فَقالَ: ﴿ما كانَ لَنا﴾ أيْ ما صَحَّ وما اسْتَقامَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، لِما عِنْدَنا مِن نُورِ العِلْمِ الَّذِي لَمْ يَدَعْ عِنْدَنا لِبْسًا بِوَجْهٍ أصْلًا ﴿أنْ نُشْرِكَ﴾ أيْ نُجَدِّدُ في وقْتٍ ما شَيْئًا مِن إشْراكٍ ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ، وأعْرَقَ في النَّفْيِ [فَقالَ -]: (p-٨٦)﴿مِن شَيْءٍ﴾ أيْ بِما شَرَعَهُ لَنا مِنَ الدِّينِ القَوِيمِ كانَتْ مِلَّتُنا التَّوْحِيدُ، ومِنَ التَّأْكِيدِ العُمُومُ في سِياقِ النَّفْيِ، لِيَعُمَّ ذَلِكَ كُلَّ شَيْءٍ مِن عاقِلِ مَلِكٍ أوْ إنْسِيٍّ أوْ جِنِيٍّ أوْ غَيْرِهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِما يَعْرِفُ بِهِ أنَّهُ كَما وجَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وجَبَ عَلى كُلِّ أحَدٍ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيْ كانَ هَذا الِانْتِفاءُ أوْ ذَلِكَ التَّشْرِيعُ - لِلْمِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ وتَسْهِيلِها وجَعَلَ الفِطَرَ الأُولى مُنْقادَةً لَها مُقْبِلَةً عَلَيْها - العَلِيُّ الشَّأْنِ العَظِيمُ المِقْدارِ“مِن" أجْلِ ﴿فَضْلِ اللَّهِ﴾ أيِ المُحِيطِ بِالجَلالِ والإكْرامِ ﴿عَلَيْنا﴾ خاصَّةً ﴿وعَلى النّاسِ﴾ الَّذِينَ هم إخْوانُنا في النَّسَبِ عامَّةً، فَنَحْنُ وبَعْضُ النّاسِ شَكَرْنا اللَّهَ، فَقَبِلْنا ما تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْنا، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا؛ والفَضْلُ: النَّفْعُ الزّائِدُ عَلى مِقْدارِ الواجِبِ، فَكُلُّ عَطاءِ اللَّهِ فَضْلٌ، فَإنَّهُ لا واجِبَ عَلَيْهِ، فَكانَ لِذَلِكَ واجِبًا عَلى كُلِّ أحَدٍ إخْلاصُ التَّوْحِيدِ لَهُ شُكْرًا عَلى فَضْلِهِ لِما تَظافَرَ عَلَيْهِ دَلِيلا العَقْلِ والنَّقْلِ مِن أنَّ شُكْرَ المُنْعِمِ واجِبٌ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ﴾ [أيْ -] لِما لَهم مِنَ الِاضْطِرابِ مَعَ الهَوى عَمُوا عَنْ هَذا الواجِبِ، فَهم ﴿لا يَشْكُرُونَ﴾ فَضْلَهُ بِإخْلاصِ العَمَلِ لَهُ ويُشْرِكُونَ بِهِ إكْراهًا لِفِطَرِهِمُ الأُولى، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ نَفْيَ الشِّرْكِ أوَّلًا يَدُلُّ عَلى وُجُودِهِ ثانِيًا، وذَكَرَ نَفْيَ الشُّكْرِ ثانِيًا يَدُلُّ عَلى (p-٨٧)حَذْفِ إثْباتِهِ أوَّلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب