الباحث القرآني

ودَلَّ بِالفاءِ عَلى أنَّ كَلامَهُنَّ نُقِلَ إلَيْها بِسُرْعَةٍ فَقالَ: ﴿فَلَمّا سَمِعَتْ﴾ أيِ امْرَأةُ العَزِيزِ ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾ وكَأنَّهُنَّ أرَدْنَ بِهَذا الكَلامِ أنْ يَتَأثَّرَ عَنْهُ ما فَعَلَتِ امْرَأةُ العَزِيزِ لِيُرِينَهُ، فَلِذَلِكَ سَمّاهُ مَكْرًا ﴿أرْسَلَتْ إلَيْهِنَّ﴾ لِتُرِيَهُنَّ ما يَعْذُرْنَها بِسَبَبِهِ فَتَسْكُنُ قالَتُهُنَّ ﴿وأعْتَدَتْ﴾ أيْ هَيَّأتْ وأحْضَرَتْ ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ أيْ ما يَتَّكِئْنَ عَلَيْهِ مِنَ الفُرَشِ اللَّيِّنَةِ والوَسائِدِ الفاخِرَةِ، فَأتَيْنَها فَأجْلَسَتْهُنَّ عَلى ما أعَدَّتْهُ لَهُنَّ ﴿وآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ﴾ عَلى العُمُومِ ﴿مِنهُنَّ سِكِّينًا﴾ لِيَقْطَعْنَ بِها ما يَحْتاجُ إلى القَطْعِ مِمّا يَحْضُرُ مِنَ الأطْعِمَةِ في هَذا المَجْلِسِ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: فَقِيلَ: كانَ لَحْمًا، وكانُوا لا يَنْهَشُونَ اللَّحْمَ، إنَّما [كانُوا -] يَأْكُلُونَهُ حَزًّا بِالسَّكاكِينِ. وقالَ الرُّمّانِيُّ: لِيَقْطَعْنَ فاكِهَةً قُدِّمَتْ إلَيْهِنَّ - انْتَهى. هَذا الظّاهِرُ مِن عِلَّةِ إتْيانِهِنَّ وباطِنُهُ إقامَةُ الحُجَّةِ عَلَيْهِنَّ بِما لا يَجِدْنَ لَهُ مَدْفَعًا مِمّا يَتَأثَّرُ عَنْ ذَلِكَ ﴿وقالَتِ﴾ لِيُوسُفَ فَتاها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (p-٧٣)﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ فامْتَثَلَ لَهُ ما أمَرَتْهُ بِهِ كَما هو دَأْبُهُ [مَعَها ] في كُلِّ ما لا مَعْصِيَةَ فِيهِ، وبادَرَ الخُرُوجَ عَلَيْهِنَّ ﴿فَلَمّا رَأيْنَهُ﴾ أيِ النِّسْوَةِ ﴿أكْبَرْنَهُ﴾ أيْ أعْظَمْنَ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ جِدًّا إعْظامًا كَرَبِّهِنَّ ﴿وقَطَّعْنَ﴾ أيْ جُرِحْنَ جِراحاتٍ كَثِيرَةٍ ﴿أيْدِيَهُنَّ﴾ وعادَ لَوْمُهُنَّ عُذْرًا، والتَّضْعِيفُ يَدُلُّ عَلى التَّكْثِيرِ، فَكَأنَّ السِّكِّينَ كانَتْ تَقَعُ عَلى يَدِ إحْداهُنَّ فَتَجْرَحُها فَتَرْفَعُها عَنْ يَدِها بِطَبْعِها، ثُمَّ يَغْلِبُها الدَّهَشُ فَتَقَعُ عَلى مَوْضِعٍ آخَرَ وهَكَذا ﴿وقُلْنَ حاشَ﴾ أيْ تَنْزِيهًا عَظِيمًا جِدًّا ”لِلَّهِ“ أيِ المَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ الَّتِي خَلَقَ بِها مِثْلَ هَذا. ولَمّا كانَ المُرادُ بِهَذا التَّنْزِيهِ تَعْظِيمُهُ، بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِنَّ: ﴿ما هَذا بَشَرًا﴾ لِأنَّهُ فاقَ البَشَرَ في الحُسْنِ جِدًّا، وأعْرَضَ عَنِ الشَّهْوَةِ مِن غَيْرِ عِلَّةٍ، نَراها مانِعَةً لَهُ [لِأنَّهُ -] في غايَةِ القُوَّةِ والفُحُولِيَّةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما هُوَ؟ فَقُلْنَ: ”إنَّ“ أيْ ما ”هَذا“ أيْ في هَذا الحُسْنِ والجَمالِ، وأعَدْنَ الإشارَةَ دَفْعًا لِإمْكانِ الغَلَطِ ﴿إلا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ وذَلِكَ لَمّا رَكَّزَ في الطِّباعِ مِن نِسْبَةِ كُلِّ مَعْنًى فائِقٍ [إلى -] المَلائِكَةِ مِنَ الحُسْنِ والعِفَّةِ وغَيْرِهِما (p-٧٤)وإنْ كانُوا [غَيْرَ -] مَرْئِيَّيْنِ، كَما رَكَّزَ فِيها نِسْبَةً ضِدَّ ذَلِكَ إلى الجِنِّ والشَّياطِينِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب