الباحث القرآني

ولَمّا كانَ في هَذا مِن شَرَفِ العِفَّةِ ما يَدُلُّ عَلى كَمالِ العِصْمَةِ، وأكَّدَهُ تَعالى بِما يَدُلُّ عَلى تَسامِي حُسْنِهِ وتَعالِي جَمالِهِ ولُطْفِهِ، لِأنَّ العادَةَ جَرَتْ بِأنَّ ذَلِكَ كانَ بَعْضُهُ لِأحَدٍ كانَ مَظِنَّةً لِمَيْلِهِ، لِتَوْفِيرِ الدَّواعِي عَلى المَيْلِ إلَيْهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وقالَ نِسْوَةٌ﴾ أيْ جَماعَةٌ مِنَ النِّساءِ لِما شاعَ الحَدِيثُ؛ ولِما كانَتِ البَلْدَةُ كُلَّما عَظُمَتْ كانَ أهْلُها أعْقَلَ وأقْرَبَ إلى الحِكْمَةِ، قالَ: ﴿فِي المَدِينَةِ﴾ أيِ الَّتِي فِيها امْرَأةُ العَزِيزِ ساكِنَةً ﴿امْرَأتُ العَزِيزِ﴾ فَأضَفْنَها إلى زَوْجِها إرادَةَ الإشاعَةِ لِلْخَبَرِ، لِأنَّ النَّفْسَ (p-٧١)إلى سَماعِ أخْبارِ أُولى الأخْطارِ أمْيَلُ؛ والعَزِيزُ: المَنِيعُ بِقُدْرَتِهِ مِن أنْ يُضامَ، فالعِزَّةُ أخَصُّ مِن مُطْلَقِ القُدْرَةِ، وعَبَّرْنَ بِالمُضارِعِ في ﴿تُراوِدُ فَتاها﴾ أيْ عَبْدَها نازِلَةٌ مِنَ افْتِراشِ العَزِيزِ إلى افْتِراشِهِ ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ إفْهامًا لِأنَّ الإصْرارَ عَلى المُراوَدَةِ صارَ لَها كالسَّجِيَّةِ؛ والفَتى: الشّابُّ، وقَيَّدَهُ الرُّمّانِيُّ بِالقَوِيِّ، قالَ: وقالَ الزَّجّاجُ: وكانُوا يُسَمَّوْنَ المَمْلُوكَ فَتًى شَيْخًا كانَ أوْ شابًّا، فَفِيهِ اشْتِراكٌ عَلى هَذا ﴿قَدْ شَغَفَها﴾ ذَلِكَ الفَتى ﴿حُبًّا﴾ أيْ مِن جِهَةِ الحُبِّ، قالَ الرُّمّانِيُّ: شَغافُ القَلْبِ غِلافُهُ، وهو جَلْدَةٌ عَلَيْهِ، يُقالُ: دَخَلَ الحُبُّ الجِلْدَ حَتّى أصابَ القَلْبَ، عَنِ السُّدِّيِّ وأبِي عُبَيْدَةَ وعَنِ الحَسَنِ أنَّهُ باطِنُ القَلْبِ، وعَنْ [ أبِي -] عَلَيٍّ: وسَطُ القَلْبِ -انْتَهى. والَّذِي قالَ في المُجْمَلِ وغَيْرِهِ أنَّهُ غِلافُ القَلْبِ، وأحْسَنُ مِن تَوْجِيهِ أبِي عُبَيْدَةَ لَهُ أنَّ حُبَّهُ صارَ شِغافًا لَها، أيْ حِجابًا، أيْ ظَرْفًا مُحِيطًا بِها، وأمّا ”شَعْفُها“ - بِالمُهْمَلَةِ فَمَعْناهُ: غَشّى شَعَفَةَ قَلْبِها، وهي رَأْسُهُ عِنْدَ مُعَلَّقِ النِّياطِ، وقالَ الرُّمّانِيُّ: أيْ ذَهَبَ بِها كُلَّ مَذْهَبٍ، مِن شَعْفِ الجِبالِ، وهي رُءُوسُها. ولَمّا قِيلَ ذَلِكَ، كانَ كَأنَّهُ قَدْ قِيلَ: فَكانَ ماذا؟ فَقِيلَ - (p-٧٢)-وأكَّدَ لِأنَّ مَن رَآهُ عَذَرَها وقَطَعَ بِأنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ في مَحَلِّها عَمِلْنَ عَمَلَها ولَمْ يُضْلِلْنَ فَعْلَها-: ﴿إنّا لَنَراها﴾ أيْ نَعْلَمُ أمْرَها عِلْمًا هو كالرُّؤْيَةِ ﴿فِي ضَلالٍ﴾ أيْ مُحِيطٌ بِها ﴿مُبِينٍ﴾ لِرِضاها لِنَفْسِها بَعْدَ عِزِّ السِّيادَةِ بِالسُّفُولِ عَنْ رُتْبَةِ العَبْدِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب