الباحث القرآني
ولَمّا كانَ هَذا الفِعْلُ لا يَتِمُّ حُسْنُهُ إلّا إذا كانَ عِنْدَ غَلَبَةِ الهَوى وتَرامِي الشَّهْوَةِ كَما هو شَأْنِ الرُّجُولِيَّةِ، قالَ تَعالى رَدًّا عَلى مَن يَتَوَهَّمُ ضِدَّ ذَلِكَ: ﴿ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أيْ أوْقَعَتِ الهَمَّ، وهو القَصْدُ الثّابِتُ والعَزْمُ الصّادِقُ المُتَعَلِّقُ بِمُواقَعَتِهِ، ولا مانِعَ لَها مِن دِينٍ ولا عَقْلٍ ولا عَجْزٍ فاشْتَدَّ طَلَبُها ﴿وهَمَّ بِها﴾ كَما هو شَأْنُ الفُحُولِ عِنْدَ تَوَفُّرِ الأسْبابِ ﴿لَوْلا أنْ رَأى﴾ أيْ بِعَيْنِ قَلْبِهِ ﴿بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ الَّذِي آتاهُ إيّاهُ مِنَ الحُكْمِ والعِلْمِ، أيْ لَهَمَّ بِها، لَكِنَّهُ [لَمّا -] كانَ البُرْهانُ حاضِرًا لَدَيْهِ حُضُورَ مَن يَراهُ بِالعَيْنِ، لَمْ يُغَطِّهِ وُفُورُ شَهْوَةٍ ولا غَلَبَةُ هَوًى، فَلَمْ يَهِمُّ أصْلًا مَعَ كَوْنِهِ في غايَةِ الِاسْتِعْدادِ لِذَلِكَ لِما آتاهُ اللَّهُ مِنَ القُوَّةِ مَعَ كَوْنِهِ في سِنِّ الشَّبابِ، فَلَوْلا المُراقَبَةُ لَهَمَّ بِها التَّوَفُّرُ الدَّواعِي غَيْرَ أنَّ نُورَ الشُّهُودِ مَحاها أصْلًا، وهَذا التَّقْدِيرُ هو اللّائِقُ بِمِثْلِ مَقامِهِ مَعَ أنَّهُ هو الَّذِي تَدُلُّ (p-٦٤)عَلَيْهِ أسالِيبُ هَذِهِ الآياتِ مِن جَعْلِهِ مِنَ المُخْلِصِينَ والمُحْسِنِينَ المَصْرُوفِ عَنْهُمُ السُّوءُ، وأنَّ السِّجْنَ أحَبُّ إلَيْهِ مِن ذَلِكَ، مَعَ قِيامِ القاطِعِ عَلى كَذِبِ ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُها ﴿ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأهْلِكَ سُوءًا﴾ [يوسف: ٢٥] - الآيَةُ، مِن مُطْلَقِ الإرادَةِ، ومَعَ ما تُحَتِّمَ تَقْدِيرُ ما ذُكِرَ بَعْدَ ”لَوْلا“ في خُصُوصِ هَذا التَّرْكِيبِ مِن أسالِيبِ كَلامِ العَرَبِ، فَإنَّهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُقَدَّرُ بَعْدَ كُلِّ شَرْطٍ مِن مَعْنى ما دَلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ، وهَذا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها﴾ [القصص: ١٠] أيْ لَأبْدَتْ بِهِ، وأمّا ما ورَدَ عَنِ السَّلَفِ مِمّا يُعارِضُ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ مِنهُ شَيْءٌ عَنْ أحَدٍ مِنهم مَعَ [أنَّ -] الأقْوالَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهم إذا جُمِعَتْ تَناقَضَتْ فَتَكاذَبَتْ، ولا يُساعِدُ عَلى شَيْءٍ مِنها كَلامُ العَرَبِ لِأنَّهم قَدَّرُوا جَوابَ ”لَوْلا“ المَحْذُوفَ بِما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِن سابِقِ الكَلامِ ولا لاحِقِهِ - نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ الإمامُ أبُو حَيّانَ، وسَبَقَهُ إلى ذَلِكَ الإمامُ الرّازِيُّ وقالَ: إنَّ هَذا قَوْلُ المُحَقِّقِينَ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وأشْبَعَ في إقامَةِ الدَّلائِلِ عَلى هَذا بِما يُطْرِبُ الأسْماعَ، وقَدَّمَ ما يَدُلُّ عَلى جَوابِ الشَّرْطِ لِيَكُونَ أوَّلَ ما يَقْرَعُ السَّمْعَ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ في غايَةِ القُدْرَةِ عَلى الفِعْلِ، وأنَّهُ ما مَنَعَهُ مِنهُ إلّا العِلْمُ بِاللَّهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذا التَّثْبِيتَ عَظِيمٌ، فَقِيلَ إشارَةٌ إلى (p-٦٥)أنَّهُ لازِمٌ لَهُ كَما هو شَأْنُ العِصْمَةِ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ التَّثْبِيتِ نُثْبِتُهُ في كُلِّ أمْرٍ ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾ أيِ الهَمُّ بِالزِّنا وغَيْرِهِ ﴿والفَحْشاءَ﴾ أيِ الزِّنا وغَيْرِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لِمَ فَعَلَ بِهِ هَذا؟ فَقِيلَ ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا﴾ أيِ الَّذِينَ عَظَّمْناهم بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿المُخْلَصِينَ﴾ أيْ هو في عِدادِ الَّذِينَ هم خِيَّرٌ صَرْفٍ، لا يُخالِطُهم غِشٌّ، ومِن ذُرِّيَّتِهِمْ أيْضًا، وهَذا مَعَ قَوْلِ إبْلِيسَ [ ﴿لأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢] ﴿إلا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٣] شَهادَةٌ مِن إبْلِيسَ -] أنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَرِيءٌ مِنَ الهَمِّ في هَذِهِ الواقِعَةِ؛ قالَ الإمامُ: فَمَن نَسَبَهُ إلى الهَمِّ إنْ كانَ مِن أتْباعِ دِينِ اللَّهِ فَلْيَقْبَلْ شَهادَةَ اللَّهِ، وإنْ كانَ مِن أتْباعِ إبْلِيسَ وجُنُودِهِ فَلْيَقْبَلْ شَهادَةَ إبْلِيسَ بِطَهارَتِهِ، قالَ: ولَعَلَّهم يَقُولُونَ: كُنّا تَلامِذَةَ إبْلِيسَ ثُمَّ زِدْنا عَلَيْهِ - كَما قِيلَ:
؎وكُنْتُ فَتًى مِن جُنْدِ إبْلِيسٍ فارْتَقى .... مِنَ الأمْرِ حَتّى صارَ إبْلِيسُ مِن جُنْدِيٍّ
؎فَلَوْ ماتَ قَبْلِي كُنْتُ أحْسَنَ بَعْدَهُ ∗∗∗ .... طَرايِيقُ فِسْقٍ لَيْسَ يُحْسِنُها بَعْدُ
{"ayah":"وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَاۤ أَن رَّءَا بُرۡهَـٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَ ٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلۡفَحۡشَاۤءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق