الباحث القرآني
ولَمّا عَلِمُوا أنَّهُ لا يُصَدِّقُهم مِن وُجُوهٍ مِنها ما هو عَلَيْهِ مِن صِحَّةِ الفِراسَةِ لِنُورِ القَلْبِ وقُوَّةِ الحَدْسِ، ومِنها أنَّ الكَذِبَ في نَفْسِهِ لا يَخْلُو عَنْ دَلِيلٍ عَلى بُطْلانِهِ، ومِنها أنَّ المُرْتابَ يَكادُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ، أعْمَلُوا الحِيلَةَ في التَّأْكِيدِ بِما يُقَرِّبُ قَوْلَهم. فَقالَ تَعالى حاكِيًا عَنْهُمْ: ﴿وجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ﴾ أيْ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أيْ مَكْذُوبٍ، أطْلَقَ عَلَيْهِ المَصْدَرَ مُبالَغَةً لِأنَّهُ غَيْرُ مُطابِقٍ لِلْواقِعِ، لِأنَّهُمُ ادَّعَوْا أنَّهُ دَمُ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والواقِعُ أنَّهُ دَمُ سَخْلَةٍ ذَبَحُوها ولَطَّخُوهُ بِدَمِها - نَقْلَهُ الرُّمانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وعَنْ مُجاهِدٍ. قالَ: والدَّمُ: جِسْمٌ أحْمَرٌ سَيّالٌ، مِن شَأْنِهِ أنْ يَكُونَ في عُرُوقِ الحَيَوانِ، ولَهُ خَواصٌّ تُدْرَكُ بِالعِيانِ مِن تَرَجْرُجٍ وتَلَزُّجٍ وسَهُولَةٍ، [و-] رُوِيَ أنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أخَذَ القَمِيصَ مِنهم وألْقاهُ عَلى وجْهِهِ وبَكى حَتّى خَضَّبَ وجْهَهُ بِدَمِ القَمِيصِ وقالَ: تاللَّهَ ما رَأيْتُ كاليَوْمِ ذَئِبًا أحْلَمُ مِن هَذا، أكَلَ ابْنِي ولَمْ يُمَزِّقْ قَمِيصَهُ، وكانَ (p-٣٢)فى القَمِيصِ ثَلاثُ آياتٍ: دَلالَتُهُ عَلى كَذِبِهِمْ، ودَلالَتُهُ عَلى صِدْقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في قَدِّهِ مِن دُبُرٍ، وعُودُ البَصَرِ إلى أبِيهِ بِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: هَلْ صَدَّقَهُمْ؟ فَقِيلَ: لا! لِأنَّ العادَةَ جَرَتْ في مَثْلِهِ أنَّهُ لا يَأْكُلُهُ كُلُّهُ، فَلا بُدَّ مِن أنْ يَبْقى مِنهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ مَعَهُ أنَّهُ هُوَ، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَأتَوْا بِهِ تَبْرِئَةً لِساحَتِهِمْ ولِيَدْفِنُوهُ في جَبّانَتِهِمْ مَعَ بَقِيَّةِ أسْلافِهِمْ، وقَدْ كانَ قادِرًا عَلى مُطالَبَتِهِمْ بِذَلِكَ، ولَكِنَّهُ عَلِمَ أنَّهم ما قالُوا ذَلِكَ إلّا بَعْدَ عَزْمٍ صادِقٍ عَلى أُمُورٍ لا تُطاقُ، فَخافَ مِن أنْ يَفْتَحَ البَحْثَ مِنَ الشُّرُورِ أكْثَرَ مِمّا جاؤُوا بِهِ مِنَ المَحْذُورِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ
﴿فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأخِيهِ﴾ [يوسف: ٨٧] ونَحْوَ ذَلِكَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ بَلْ﴾ أيْ لَمْ يَأْكُلْهُ الذِّئْبُ، بَلْ ﴿سَوَّلَتْ﴾ أيْ زَيَّنَتْ وسَهَّلَتْ، مِنَ السُّؤْلِ وهو الِاسْتِرْخاءُ ﴿لَكم أنْفُسُكم أمْرًا﴾ أيْ عَظِيمًا أبْعَدْتُمْ بِهِ يُوسُفَ ﴿فَصَبْرٌ﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ الفادِحِ العَظِيمِ أنَّهُ يَكُونُ صَبْرٌ ﴿جَمِيلٌ﴾ مِنِّي، وهو الَّذِي لا شَكْوى مَعَهُ لِلْخَلْقِ ”واللَّهُ“ أيِ المُحِيطُ عِلْمًا وقُدْرَةً ﴿المُسْتَعانُ﴾ أيِ المَطْلُوبُ مِنهُ العَوْنُ ”عَلى“ احْتِمالِ ﴿ما تَصِفُونَ﴾ مِن هَلاكِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا يُقالُ: إنَّهم بِهَذا أجْمَعُوا أوْصافَ المُنافِقِ «إذا وعَدَ (p-٣٣)أخْلَفَ، وإذا حَدَّثَ كَذِبَ، وإذا أُؤْتُمِنَ خانَ» لِأنَّ هَذا وقْعَ مِنهم مَرَّةً، والمُنافِقُ يَكُونُ [ذَلِكَ -] فِعْلُهُ دائِمًا أوْ في أغْلَبِ أحْوالِهِ، ومادَّتا سَوَّلَ بِتَقالِيبِها [الخَمْسَةِ -]: ولَسَ وسَلا ووَسَلَ ولَوَسَ وسَوَلَ، وسَيَلَ بِتَقالِيبِها الخَمْسَةِ: لَسِي ويَسَلُ وسَيَلَ وسَلِي ولَيَسَ، تَدُورانِ عَلى ما يَطْمَعُ فِيهِ مِنَ المُرادِ، ويُلْزِمُهُ رَغَدَ العَيْشِ والزِّينَةَ وبَرْدَ القَلْبِ والشِّدَّةَ والرَّخاوَةَ والعِلاجَ والمُخادَعَةَ والمُلازَمَةَ، فَمِنَ الرَّجاءِ لِلْمُرادِ: السُّؤْلُ - بِالواوِ، وقَدْ يَهْمِزُ، وهو المَطْلُوبُ؛ والوَسِيلَةُ: الدَّرَجَةُ والمَنزِلَةُ عِنْدَ المَلِكِ، قالَ القَزّازُ: وقِيلَ: تَوَسَّلْتُ وتَوَصَّلْتُ - بِمَعْنى، والوَسِيلَةُ: الحاجَةُ، ووَسَلَ فُلانٌ - إذا طَلَبَ الوَسِيلَةَ؛ واللَؤَسَ: الظَّفْرُ؛ ومِنَ العَمَلِ والعِلاجِ: تَوَسُّلَ بِكَذا - أيْ تَقَرَّبَ، والَّلَوَسُ: الأكْلُ، ولَأسَ الشَّيْءُ في فِيهِ بِلِسانِهِ - إذا أدارَهُ، ووَلَسَتِ النّاقَةُ في مِشْيَتِها تَلِسُ ولِسانًا: تَضْرِبُ مِنَ العُنُقِ؛ ومِن رَغَدِ العَيْشِ: فُلانٌ في سَلْوَةٍ مِنَ العَيْشِ، أيْ رَغَدٍ يُسَلِّيهِ الهَمَّ، ومِنهُ السَّلْوى، وهي طائِرٌ مَعْرُوفٌ، وهي أيْضًا العَسَلُ، وأسْلى القَوْمُ: إذا أمِنُوا السَّبْعَ: (p-٣٤)ومِنَ الزِّينَةِ: سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ كَذا، أيْ زَيَّنَتْهُ فَطَلَبَهُ؛ ومِن بَرَدِ القَلْبِ: سَلَوْتُ عَنِ الشَّيْءِ: إذا تَرَكَهُ قَلْبُكَ وكانَ [قَدْ -] صَبا بِهِ، وسَقَيْتَنِي مِنكَ سَلْوَةً، أيْ طَيَّبْتَ نَفْسِي عَنْكَ، والَّلَيَسُ - مُحَرَّكًا: الغَفْلَةُ، والألْيَسُ: الدَّيُّوثُ لا يَغارُ، والحَسَنُ الخُلُقِ، وتَلايَسَ عَنْهُ: أغْمَضَ؛ ومِنَ الرَّخاوَةِ: السَّلْيُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الوَلَدُ، وهو يائِيٌّ تَقُولُ مِنهُ: سَلَّيْتُ الشّاةَ كَرِضى سَلِي: انْقَطَعَ سُلاها، ومِنهُ السَّوَلُ، وهو اسْتِرْخاءٌ في مَفاصِلِ الشّاةِ، والسَّحابُ الأسْوَلُ: الَّذِي فِيهِ اسْتِرْخاءٌ لِكَثْرَةِ مائِهِ، والأسْوَلُ: المُسْتَرْخِي، ومِنهُ: لَيْسَ أُخْتُ كانَ - لِأنَّ الشَّيْءَ إذا زادَ في الرَّخاوَةِ رُبَّما عُدَّ عَدَمًا، ومِنهُ: سالَ - بِمَعْنى: جَرى، والسّائِلَةُ مِنَ الغَرَرِ: المُعْتَدِلَةُ في قَصَبَةِ الأنْفِ، وأسالَ غِرارَ النَّصْلِ: أطالَهُ، والسِّيلانُ - بِالكَسْرِ: سَنَخٌ قائِمُ السَّيْفِ، و[السَّيّالَةُ -]: نَباتٌ لَهُ شَوْكٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ، إذا نَزَعَ خَرَجَ مِنهُ اللَّبَنُ، أوْ ما طالَ مِنَ السَّمَرِ؛ ومِنَ المُخادَعَةِ: الوَلْسُ، وهي الخِيانَةُ، والمُوالَسَةُ: المُداهَنَةُ، والتَّوَسُّلُ: السَّرِقَةُ؛ ومِنَ اللُّزُومِ: اللَيَسُ - مُحَرَّكًا [والمُتَلايِسُ -]: البَطِيءُ، وهو أيْضًا مِنَ الرَّخاوَةِ، والألِيسُ: مَن لا يَبْرَحُ مَنزِلَهُ؛ ومِنَ الشِّدَّةِ: (p-٣٥)الَّلَيَسُ - مُحَرَّكًا -] وهو الشُّجاعَةُ، وهو ألَيْسُ، والألْيَسُ: البَعِيرُ يَحْمِلُ ما حَمَلَ، والأسَدُ، ووَقَعُوا في سَلى جَمَلٍ: أمْرٌ صَعْبٌ، لِأنَّ الجَمَلَ لا سَلى لَهُ، وانْقَطَعَ السَّلْيُ في البَطْنِ مِثْلُ كَبَلَغَ السِّكِّينُ العَظْمَ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنَ الشِّدَّةِ أيْضًا: اليَسْلُ - بِفَتْحٍ وسُكُونٍ - وهم يَدٌ أيْ جَماعَةٌ مِن قُرَيْشٍ الظَّواهِرِ، والبَسْلُ - بِالباءِ المُوَحَّدَةِ: اليَدُ الأُخْرى، ولَسا: أكَلَ أكْلًا شَدِيدًا.
{"ayah":"وَجَاۤءُو عَلَىٰ قَمِیصِهِۦ بِدَمࣲ كَذِبࣲۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرࣰاۖ فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق