الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنِ ارْتِباكِهِمْ في أشْراكِ إشْراكِهِمْ، وأنَّهم يَتَعامَوْنَ عَنِ الأدِلَّةِ في الدُّنْيا، وكانَ الأكْثَرُ المُبْهَمُ القَطْعَ بِعَدَمِ إيمانِهِمْ مِن تَوْجِيهِ الأمْرِ والنَّهْيِ والحَثِّ والزَّجْرِ إلى الجَمِيعِ وهم (p-٢٤٠)فِي غِمارِهِمْ، وكانَ بَعْضُ النّاسُ كالحِمارِ لا يَنْقادُ إلّا بِالعَذابِ، قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿أفَأمِنُوا﴾ إنْكارًا فِيهِ مَعْنى التَّوْبِيخِ والتَّهْدِيدِ ﴿أنْ تَأْتِيَهم غاشِيَةٌ﴾ أيْ شَيْءٌ يُغَطِّيهِمْ ويَبْرُكَ عَلَيْهِمْ ويُحِيطُ بِهِمْ ﴿مِن عَذابِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ في الدُّنْيا كَما أتى مِن ذِكْرِنا قِصَصَهم مِنَ الأُمَمِ. ولَمّا كانَ العاقِلُ يَنْبَغِي لَهُ الحَذَرُ مِن كُلِّ مُمْكِنٍ وإنْ كانَ لا يُقَرِّبُهُ، قالَ تَعالى: ﴿أوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ﴾ وأشارَ إلى أشَدِّ ما يَكُونُ مِن ذَلِكَ عَلى القُلُوبِ بِقَوْلِهِ: ﴿بَغْتَةً﴾ أيْ وهم عَنْها في غايَةِ الغَفْلَةِ بِعَدَمِ تَوَقُّعِها أصْلًا؛ قالَ الرُّمّانِيُّ: قالَ يَزِيدُ بْنُ مُقْسِمٍ الثَّقَفِيُّ: ولَكِنَّهم بانُوا ولَمْ أدْرِ بَغْتَةً وأفْظَعَ شَيْءٍ حِينَ يَفْجَئُوكَ البَغْتَ ولَمّا كانَ هَذا المَعْنى مَهُولًا، أكَّدَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ أيْ نَوْعًا مِنَ الشُّعُورِ ولَوْ أنَّهُ كالشَّعْرَةِ، إعْلامًا بِشِدَّةِ جَهْلِهِمْ في أنَّ حالَهم حالُ مَن هو في غايَةِ الأمْنِ مِمّا أقَلَّ أحْوالَهُ أنَّهُ مُمْكِنٌ، لِأنَّ الشُّعُورَ إدْراكُ الشَّيْءِ بِما يَلْطُفُ كَدِقَّةِ الشَّعْرِ، وإنَّما قُلْتُ: إنَّهُ تَأْكِيدٌ، لِأنَّهُ (p-٢٤١)مَعْنى البَغْتَةِ؛ قالَ الإمامُ أبُو بَكْرٍ الزَّبِيدِيُّ في مُخْتَصَرِ العَيْنِ: البَغْتَةُ: المُفاجَأةُ، وقالَ الإمامُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ في دِيوانِهِ: فاجَأْتُ الرَّجُلَ مُفاجَأةً - إذا جِئْتَهُ عَلى غَفْلَةٍ مُغافَصَةً، ثُمَّ قالَ: وفاجَأْتُهُ مُفاجَأةً - إذا لَقِيتَهُ ولَمْ يَشْعُرْ بِكَ، وفي تَرْتِيبِ المُحْكَمِ: فَجِئَهُ الأمْرُ [وفَجَأهُ] وفاجَأهُ مُفاجَأةً: هَجَمَ عَلَيْهِ مِن غَيْرِ أنْ يَشْعُرَ بِهِ، ويَلْزَمَ ذَلِكَ الإسْراعُ وهو مَدارُ هَذِهِ المادَّةِ، لِأنَّهُ يَلْزَمُ أيْضًا التَّغَبَ - بِتَقْدِيمِ المُثَنّاةِ مُحَرِّكًا وهو الهَلاكُ، لِأنَّهُ أقْرَبُ شَيْءٍ إلى الإنْسانِ إذْ هو الأصْلُ في حالِ الحَدَثِ، والسَّلامَةُ فِيهِ هي العَجَبِ، والتَّغَبِ أيْضًا: الوَسَخُ والدَّرَنُ، وتَغِبَ - بِكَسْرِ الغَيْنِ: صارَ فِيهِ عَيْبٌ، ويُقالُ لِلْقَحْطِ: تِغْبَةً - بِالتَّحْرِيكِ، والتَّغْبُ - ساكِنًا: القَبِيحُ والرِّيبَةُ، وكُلُّ ذَلِكَ أسْرَعُ إلى الإنْسانِ مِن أضْدادِهِ إلّا مَن عَصَمَ اللَّهُ، وما ذاكَ إلّا لِأنَّ هَذِهِ الدّارَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب