الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِوُقُوعِ هَذا التَّبارِ الأعْظَمِ بِهِ، وكانَ لا عَذابَ يُدانِي عَذابَ الآخِرَةِ، بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سَيَصْلى﴾ أيْ عَنْ قُرْبٍ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ ﴿نارًا﴾ أيْ فَيَدُسُّ فِيها وتَنْعَطِفُ عَلَيْهِ وتُحِيطُ بِهِ.
ولَمّا كانَ المَقْصُودُ شِدَّةَ نِكايَتِهِ بِأشَدِّ ما يَكُونُ مِنَ الحَرارَةِ كَما أحْرَقَ أكْبادَ الأوْلِياءِ، وكانَتِ النّارُ قَدْ تَكُونُ جَمْرًا ثُمَّ تَنْطَفِئُ عَنْ قُرْبٍ قالَ: ﴿ذاتَ لَهَبٍ﴾ أيْ لا تَسْكُنُ ولا تَخْمُدُ أبَدًا لِأنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ الصُّحْبَةِ المُعَبَّرِ عَنْها بـِ ”ذاتِ“، وذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ ولَيْسَ في السُّورَةِ دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلى أنَّهُ لا يُؤْمِنُ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ الصِّلِيُّ عَلى الفِسْقِ، فَلا دَلِيلَ فِيها لِمَن يَقُولُ: إنَّ فِيها التَّكْلِيفَ بِما عَلِمَ أنَّهُ مُحالٌ لِيَكُونَ قَدْ كَلَّفَ بِأنْ يُؤْمِنَ وقَدْ عَلِمَ (p-٣٣٩)أنَّهُ حُكْمٌ بِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ، وإنَّ كانَ اللَّهُ قَدْ حَقَّقَ هَذا الخَبَرَ بِمَوْتِهِ كافِرًا في الثّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ عَقِبَ غَزْوَةَ بَدْرٍ وهي الخامِسَةَ عَشْرَةَ مِنَ النُّبُوَّةِ، لَكِنْ ما عَرَفَ تَحَتَّمَ كُفْرُهُ إلّا بِمَوْتِهِ كافِرًا لا بِشَيْءٍ في هَذِهِ السُّورَةِ ولا غَيْرِها، ومِنَ الغَرائِبِ أنَّ الكَلِماتِ المُتَعَلِّقَةِ بِهِ في هَذِهِ السُّورَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، فَكانَتْ مُشِيرَةً إلى سَنَةِ مَوْتِهِ بَعْدَ أنْ رَأى تَبابَهُ في وقْعَةِ بَدْرٍ وغَيْرِها بِعَيْنِهِ، فَإذا ضَمَمْنا إلَيْها كَلِماتِ البَسْمَلَةِ الأرْبَعِ وازَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ، وهي سَنَةُ عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ الفَتْحِ السَّبَبِيِّ الَّتِي تُحَقِّقُ فِيها تَبابَهُ [وخَسارَهُ -] عِنْدَ كُلِّ مَن عِنْدَهُ إيمانٌ بِالغَيْبِ ودَفْعٌ لِلرَّيْبِ، فَإذا ضَمَمْتَ إلَيْها الضَّمِيرَيْنِ البارِزَيْنِ اللَّذَيْنِ هُما أقْرَبُ إلى الكَلِماتِ الِاصْطِلاحِيَّةِ مِنَ المُسْتَتِرَةِ وازَتْ سَنَةَ ثَمانٍ مِنَ الهِجْرَةِ الَّتِي كانَ فِيها الفَتْحُ الحَقِيقِيُّ، فَتَحَقَّقَ عِنْدَ قُرَيْشٍ كافَّةُ ما أُنْزِلَ فِيهِ في هَذِهِ السُّورَةِ، فَإذا ضَمَمْتَ إلَيْها الضَّمائِرَ الثَّلاثَةَ المُسْتَتِرَةَ وازَتْ سَنَةَ إحْدى عَشْرَةَ عَلى أنَّكَ إذا بَدَأْتَ بِالضَّمائِرِ المُسْتَتِرَةِ حَصَلَتِ المُناسَبَةُ أيْضًا، وذَلِكَ أنَّها تُوازِي سَنَةَ تِسْعٍ وهي سَنَةُ الوُفُودِ الَّتِي دَخَلَ النّاسُ فِيها في الدِّينِ أفْواجًا وحَجَّ فِيها بِالنّاسِ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أمِيرًا، ونُودِيَ (p-٣٤٠)فِي المَوْسِمِ بِبَراءَةَ، وأنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ، فَتَحَقَّقَتْ خَيْبَةُ أبِي لَهَبٍ عِنْدَ كُلِّ مَن حَضَرَ المَوْسِمَ لا سِيَّما مَن كانَ يَعْلَمُ دَوَرانَهُ وراءَ النَّبِيِّ ﷺ وتَكْذِيبَهُ لَهُ مِن مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ، فَإذا ضَمَمْنا إلى ذَلِكَ الضَّمِيرَيْنِ البارِزَيْنِ وازَتْ سَنَةَ إحْدى عَشْرَةَ أوَّلَ سِنِي خِلافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّتِي فَتَحَتْ فِيها [جَمِيعَ -] جَزِيرَةِ العَرَبِ بَعْدَ أنْ لَعِبَ الشَّيْطانُ بِكَثِيرٍ مِن أهْلِها.
فَرَجَعُوا بَعْدَ أنْ قَتَلَ اللَّهُ مِنهم مَن عَلِمَ أنَّهُ مَخْلُوقٌ لِجَهَنَّمَ، وتَحَقَّقَ حِينَئِذٍ ما لِأبِي لَهَبٍ مِنَ التِّبابِ والنّارِ ذاتِ الِالتِهابِ عِنْدَ العَرَبِ كافَّةً بِإيمانِهِمْ عامَّةً في السَّنَةِ الحادِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً مِنَ النُّبُوَّةِ، واسْتَقَرَّ الأمْرُ حِينَئِذٍ، وعَلِمَ أنَّ الدِّينَ قَدْ رَسَخَتْ أوْتادُهُ وثَبَتَ عِمادُهُ، وأنَّ الَّذِي كانَ يَحْمِيهِ في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ حَماهُ بَعْدَهُ وهو سُبْحانُهُ حَيٌّ لا يَمُوتُ وقادِرٌ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وعَدَدُ كَلِماتِ السُّورَةِ ثَلاثٌ وعِشْرُونَ وهي تُوازِي سَنَةَ حَجَّةِ الوَداعِ سَنَةَ عَشْرٍ، فَإنَّها السَّنَةُ الثّالِثَةُ والعِشْرُونَ مِنَ المَبْعَثِ وفِيها كَمُلَ الدِّينُ ونَزَلَتْ آيَةُ المائِدَةِ، وأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّ الشَّيْطانَ قَدْ أيِسَ أنْ يُعْبَدَ بِأرْضِ العَرَبِ، (p-٣٤١)فَتَحَقَّقَ كُلُّ النّاسِ لا سِيَّما مَن حَضَرَ المَوْسِمَ تِبابُ أبِي لَهَبٍ الَّذِي كانَ يَدُورُ في تِلْكَ المَشاهِدِ وراءَ النَّبِيِّ ﷺ يُكَذِّبُهُ ويُؤْذِيهِ
إنَّ في ذَلِكَ لِعِبْرَة.
{"ayah":"سَیَصۡلَىٰ نَارࣰا ذَاتَ لَهَبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











