الباحث القرآني

﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾ طاغِيَةِ القِبْطِ ﴿ومَلَئِهِ﴾ أيْ: أشْرافِ قَوْمِهِ الَّذِينَ تَتَبَّعَهُمُ الأذْنابُ، لِأنَّ القَصْدَ الأكْبَرَ رَفْعُ أيْدِيهِمْ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ. ولَمّا كانَ النّاصِحُ لِنَفْسِهِ مَن لا يَتْبَعُ أحَدًا إلّا فِيما يَعْلَمُ أنَّهُ صَوابٌ، قالَ مُعَجِّبًا مِنَ المَلَأِ مُشِيرًا إلى سُرْعَةِ تَكْذِيبِهِمْ بِالبَيِّناتِ واتِّباعِهِمْ فِيما ضَلالُهُ لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ مُسْكَةٌ: ﴿فاتَّبَعُوا﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا الأمْرِ الباهِرِ أنْ عَصى فِرْعَوْنُ وحَمَلَ مَلْؤُهُ أنْفُسَهم عَلى أنْ تَبِعُوا لِإرادَتِنا ذَلِكَ (p-٣٦٩)مِنهم ﴿أمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ [أيْ: كُلَّ ما يَفْهَمُونَ عَنْهُ أنَّهُ يَهْواهُ ويَأْمُرُهُ بِهِ] وتَبِعَهُمُ السَّفَلَةُ فَأطْبَقُوا عَلى المُنابَذَةِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ مِنهم ﴿وما﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ ما ﴿أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ \ أيْ: سَدِيدٍ، مَعَ أنَّ في هَذا التَّعْقِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمُودَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِآيَتَيِ النّاقَةِ والعَصا إشارَةً إلى القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ المَذْكُورِ أوَّلَ السُّورَةِ المُوجِبِ خَوْفُهُ لِكُلِّ خَيْرٍ كَما أنَّ ذَلِكَ أيْضًا كانَ مِن فَوائِدِ تَعْقِيبِ قِصَّةِ إبْراهِيمَ لِقِصَّةِ صالِحٍ عَلَيْهِما السَّلامُ، واقْتَصَرَ هُنا عَلى ذِكْرِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ القِصَصِ - كَما تَقَدَّمَ - التَّثْبِيتُ في المُكافَحَةِ بِإبْلاغِ الإنْذارِ وإنِ اشْتَدَّتْ كَراهِيَةُ المُبَلِّغِينَ وقَلَّ المُتَّبِعُ مِنهُمْ، وأنْ لا يُتْرَكَ شَيْءٌ مِنهُ خَوْفَ إصْرارِهِمْ أوْ إدْبارِهِمْ ولا رَجاءَ إقْبالِهِمْ وكَثْرَةِ مُؤْمِنِيهِمْ، وهَذِهِ حالُ آلِ فِرْعَوْنَ، وأمّا بَنُو إسْرائِيلَ فَإنَّهم لَمْ يَتَوَقَّفُوا إلّا خَوْفًا مِن فِرْعَوْنَ في أوَّلِ الأمْرِ، ثُمَّ أطْبَقَ كُلُّهم عَلى الإتْباعِ، ثُمَّ صارُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ قَلِيلٍ يُبَدِّلُونَ لا كَراهِيَةً لِلْإنْذارِ بَلْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ وعَجائِبِ المَقْدُورِ كَما بُيِّنَ في قَصَصِهِمْ؛ والمَلَأُ: الأشْرافُ الَّذِينَ تَمْلَأُ الصُّدُورَ هَيْبَتُهم عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ؛ والِاتِّباعُ: طَلَبُ الثّانِي لِلتَّصَرُّفِ بِتَصَرُّفِ الأوَّلِ في أيِّ جِهَةِ أخْذٍ، وقَدْ يَكُونُ عَنْ كُرْهٍ بِخِلافِ الطّاعَةِ؛ والأمْرُ: الإيجابُ بِصِيغَةِ ”افْعَلْ“ وهو يَتَضَمَّنُ إرادَةَ المَأْمُورِ بِهِ في الجُمْلَةِ، وقَدْ لا يُرادُ امْتِثالُ عَيْنِ (p-٣٧٠)المَأْمُورِ؛ والرَّشِيدُ: القائِدُ إلى الخَيْرِ الهادِي إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب