الباحث القرآني

ولَمّا كانَ تَخْصِيصُهم نَفْيَ العِزَّةِ بِهِ يُفْهِمُ أنَّ رَهْطَهُ عَلَيْهِمْ أعِزَّةٌ، أنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ في سِياقِ مُهَدِّدٍ لَهم فَقالَ تَعالى حاكِيًا عَنْهُ اسْتِئْنافًا: ﴿قالَ﴾ (p-٣٦٤)أيْ شُعَيْبٌ ﴿يا قَوْمِ﴾ ولَمْ يَخْلُ الأمْرُ مِن جَذْبٍ واسْتِعْطافٍ بِذِكْرِ الرَّحِمِ العاطِفَةِ ﴿أرَهْطِي﴾ أيْ: أقارِبِي الأقْرَبُونَ مِنكم ﴿أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ﴾ أيِ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرَةً حَتّى نَظَرْتُمْ إلَيْهِمْ فِيَّ لِقَرابَتِي مِنهم ولَمْ تَنْظُرُوا إلى اللَّهِ في قُرْبِي مِنهُ بِما ظَهَرَ عَلَيَّ مِن كَرامَتِهِ ﴿واتَّخَذْتُمُوهُ﴾ أيْ: [بِما] كَلَّفْتُمْ بِهِ أنْفُسَكم مِمّا هو خِلافُ الفِطْرَةِ الأُولى ﴿وراءَكُمْ﴾ أيْ: أعْرَضْتُمْ عَنْهُ إعْراضَ مَن جَعَلَ الشَّيْءَ وراءَهُ؛ وحَقَّقَ مَعْنى الوَراءِ بِقَوْلِهِ: ﴿ظِهْرِيًّا﴾ أيْ: جَعَلْتُمُوهُ كالشَّيْءِ الغائِبِ عَنْكُمُ المَنسِيِّ عِنْدَكُمُ الَّذِي لا يُعْبَأُ بِهِ، ولَمْ تُراقِبُوهُ فِيَّ لِنِسْبَتِي إلَيْهِ بِالرِّسالَةِ والعُبُودِيَّةِ. ولَمّا كانَ مَعْنى الكَلامِ لِأجْلِ الإنْكارِ: إنَّكم عَكَسْتُمْ في الفِعْلِ فَلَمْ تَعْرِفُوا الحَقَّ لِأهْلِهِ؛ إذْ كانَ يَنْبَغِي لَكم أنْ لا تَنْسَوُا اللَّهَ بَلْ تُراقِبُوهُ في كُلِّ أُمُورِكُمْ، حَسُنَ تَعْلِيلُ هَذا المَفْهُومِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبِّي﴾ أيِ المُحْسِنَ إلَيَّ؛ ولَمّا كانَ المُرادُ المُبالَغَةَ في إحاطَةِ عِلْمِهِ تَعالى بِأعْمالِهِمْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ مِن جَلِيلٍ وحَقِيرٍ، فَهو مُقْتَدِرٌ في كُلِّ فِعْلٍ مِن أفْعالِكم عَلى إنْفاذِهِ وإبْطالِهِ، فَهو مُحِيطٌ بِكم لا يَرُدُّهُ عَنْ نُصْرَتِي مِنكم والإيقاعِ بِكم مُراعاةُ أحَدٍ لِعِزَّةٍ ولا قُوَّةٍ، بَلْ لَكم عِنْدَهُ أجَلٌ هو مُؤَخِّرُكم إلَيْهِ لِأنَّهُ لا يَخْشى الفَوْتَ؛ والِاتِّخاذُ: أخْذُ الشَّيْءِ لِأمْرٍ يَسْتَمِرُّ في المُسْتَأْنَفِ كاتِّخاذِ البَيْتِ؛ والمُحِيطُ: المُدِيرُ عَلى الشَّيْءِ كالحائِطِ يَحْصُرُهُ بِحَيْثُ (p-٣٦٥)لا يَفُوتُهُ مِنهُ شَيْءٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب