الباحث القرآني

فَلَمّا رَأوْهُ لا يَنْزِعُ عَنْهم ولَمْ يَقْدِرُوا لِكَلامِهِ عَلى جَوابٍ، أيْأسُوهُ مِنَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ بِأنْ أنْزَلُوا أنْفُسَهم عِنادًا في الفَهْمِ لِهَذا الكَلامِ الواضِحِ جِدًّا إلى عِدادِ البَهائِمِ، وهَدَّدُوهُ فَأخْبَرَ تَعالى عَنْهم [بِذَلِكَ] اسْتِئْنافًا في جَوابِ مَن يَقُولُ: ما قالُوا بَعْدَ هَذا الدُّعاءِ الحَسَنِ؟ بِقَوْلِهِ: ﴿قالُوا يا شُعَيْبُ﴾ مُنادِينَ لَهُ بِاسْمِهِ جَفاءً وغِلْظَةً ﴿ما نَفْقَهُ﴾ أيِ الآنَ؛ لِأنَّ ”ما“ تَخُصُّ بِالحالِ ﴿كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ﴾ وإذا لَمْ يُفْهَمِ الكَثِيرُ مِنَ الكَلامِ لَمْ يُفْهَمْ مَقْصُودُهُ، يَعْنُونَ: خَفِّضْ عَلَيْكَ واتْرُكْ كَلامَكَ فَإنّا لا نَفْهَمُهُ تَهاوُنًا [بِهِ] كَما يَقُولُ الإنْسانُ لِخَصْمِهِ إذا نَسَبَهُ إلى الهَذَيانِ: أنا لا أدْرِي ما تَقُولُ، ولَمّا كانَ غَرَضُهم مَعَ العِنادِ قَطْعَ الأمْرِ، خَصُّوا عَدَمَ الفَهْمِ بِالكَثِيرِ لِيَكُونَ أقْرَبَ إلى الإمْكانِ، وكَأنَّهم - واللَّهُ أعْلَمُ - أشارُوا إلى أنَّهُ كَلامٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فَلا حاصِلَ لَهُ ولا لِمَضْمُونِهِ وُجُودٌ في الخارِجِ. ولَمّا كانَ في ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهُ ضَعِيفُ العَقْلِ لِأنَّ كَلامَهُ مِثْلُ كَلامِ المَجانِينِ، (p-٣٦٣)أتْبَعُوهُ قَوْلَهُمْ: ﴿وإنّا لَنَراكَ﴾ أيْ: رُؤْيَةً مُجَدَّدَةً مُسْتَمِرَّةً ﴿فِينا ضَعِيفًا﴾ أيْ: في البَدَنِ وغَيْرِهِ، فَلا تَتَعَرَّضْ لِسُخْطِنا؛ فَإنَّكَ لا تَقْدِرُ عَلى الِامْتِناعِ مِن مَكْرُوهٍ نَحُلُّهُ بِكَ بِقُوَّةِ عَقْلٍ ولا جِسْمٍ ولا عَشِيرَةٍ، وأشارُوا إلى ضَعْفِ العَشِيرَةِ بِتَعْبِيرِهِمْ بِالرَّهْطِ في قَوْلِهِمْ: ﴿ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ﴾ أيْ: قَتَلْناكَ شَرَّ قِتْلَةٍ - فَإنَّ الرَّهْطَ مِن ثَلاثَةٍ إلى عَشَرَةٍ، وأكْثَرُ ما قِيلَ: إنَّ فَخِذَهُ أرْبَعُونَ - فَما أنْتَ عَلَيْنا بِمُمْتَنِعٍ لِضَعْفِكَ وقِلَّةِ قَوْمِكَ ﴿وما أنْتَ﴾ أيْ: خاصَّةً، لِأنَّ ”ما“ لِنَفْيِ الحالِ اخْتِصاصٌ بِالزَّمانِ، والقِياسُ أنْ يَكُونَ مَدْخُولُها فِعْلًا أوْ شِبْهَهُ، وحَيْثُ أُولِيَتِ الِاسْمَ لا سِيَّما الضَّمِيرُ دَلَّ عَلى أنَّ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمامِ والِاخْتِصاصِ ﴿عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾ بِكَرِيمٍ مَوْدُودٍ، تَقُولُ: أعْزَزْتُ فُلانًا - إذا كانَ لَهُ عِنْدَكَ وُدٌّ، بَلْ قَوْمُكَ هُمُ الأعِزَّةُ عِنْدَنا لِمُوافَقَتِهِمْ لَنا، ولَوْ كانَ المُرادُ: ما عَزَزْتَ عَلَيْنا، لَكانَ الجَوابُ: لِمْ لا أعِزُّ وقَدْ شَرَّفَنِيَ اللَّهُ - أوْ نَحْوَ هَذا، ويَصِحُّ أنْ يُرادَ بِالعَزِيزِ القَوِيُّ المُمْتَنِعُ، ويَصِيرُ إفْهامُهُ لِامْتِناعِ رَهْطِهِ مَحْمُولًا عَلى أنَّ المانِعَ لَهم مُوافَقَتُهم لَهم لا قُوَّتُهُمْ؛ والفِقْهُ: فَهْمُ الكَلامِ عَلى ما تَضَمَّنَ مِنَ المَعْنى، وقَدْ صارَ اسْمًا لِضَرْبٍ مِن عُلُومِ الدِّينِ، وأصْلُ الرَّهْطِ: الشِّدَّةُ، مِنَ التَّرْهِيطِ لِشِدَّةِ الأكْلِ، ومِنهُ الرّاهِطاءُ: جُحْرُ اليَرْبُوعِ لِشِدَّتِهِ وتَوَثُّقِهِ لِيَخْبَأ فِيهِ ولَدُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب