الباحث القرآني

ولَمّا كانَ نَظَرُهم بَعْدَ الشِّرْكِ مَقْصُورًا عَلى الأمْوالِ، وكانَ نَهْيُهُ عَمّا نَهى عَنْهُ مُوجِبًا لِمَحْقِها في زَعْمِهِمْ، كانُوا كَأنَّهم قالُوا: إنّا إذا اتَّبَعْناكَ فِيما قُلْتَ فَنِيَتْ أمْوالُنا أوْ قَلَّتْ فَتَضَعْضَعَتْ أحْوالُنا، فَلا يَبْقى لَنا شَيْءٌ؟ فَقالَ: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ﴾ أيْ: فَضْلُ المَلِكِ الأعْلى المُسْتَجْمِعِ لِصِفاتِ الكَمالِ، وبَرَكَتُهُ في أمْوالِكم وجَمِيعِ أحْوالِكم وإبْقاؤُهُ عَلَيْكم نَظَرَهُ إلَيْكُمُ المُوجِبَ (p-٣٥٥)لِعَفْوِهِ الَّذِي هو ثَمَرَةُ اتِّباعِ أمْرِهِ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مِمّا تَظُنُّونَهُ زِيادَةً بِالنَّقْصِ والظُّلْمِ، وذَلِكَ أنَّ بَقِيَّةَ الشَّيْءِ ما فَضَلَ مِنهُ، وتَكُونُ أيْضًا بِمَعْنى البُقْيا، مِن أبْقى عَلَيْهِ يُبْقِي إبْقاءً، واسْتَبْقَيْتُ فُلانًا - إذا عَفَوْتَ عَنْ ذَنْبِهِ، كَأنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ أوْجَبَ فَناءَ وُدِّهِ أوْ فَناهَ عِنْدَكَ، فَإذا اسْتَبْقَيْتَهُ فَقَدْ تَرَكْتَ ما كانَ وجَبَ، ويَقُولُونَ: أراكَ تُبْقِي هَذا بِبَصَرِكَ - إذا كانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ - قالَهُ الإمامُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ في دِيوانِهِ الجامِعِ، وسَيَأْتِي في آخِرِ السُّورَةِ بَيانُ ما تَدُورُ عَلَيْهِ المادَّةُ. ولَمّا كانَتْ خَيْرِيَّةُ ما يُبْقِيهِ العَدْلُ مِنَ الظُّهُورِ بِمَحَلٍّ لا يَخْفى عَلى ذِي لُبٍّ تَرَكَها وبَيَّنَ شَرْطَها بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ: جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: راسِخِينَ في الإيمانِ إشارَةً إلى أنَّ خَيْرِيَّتَها لِغَيْرِ المُؤْمِنِ مَبْنِيَّةٌ عَلى غَيْرِ أساسٍ، فَهي غَيْرُ مُجْدِيَةٍ إلّا في الدُّنْيا، فَهي عَدَمٌ لِسُرْعَةِ الزَّوالِ والنُّزُوحِ عَنْها والِارْتِحالِ، ودَلَّتِ الواوُ العاطِفَةُ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ أنَّ المَعْنى: فَآمِنُوا فاعِلِينَ ما أمَرْتُكم بِهِ لِتَظْفَرُوا بِالخَيْرِ فَإنَّما أنا نَذِيرٌ ﴿وما أنا﴾ وقَدَّمَ ما يَتَوَهَّمُونَهُ مِن قَصْدِهِ لِلِاسْتِعْلاءِ نافِيًا لَهُ فَقالَ: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وأغْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿بِحَفِيظٍ﴾ أعْلَمُ جَمِيعَ أعْمالِكم [وأحْوالِكُمْ] وأقْدِرُ عَلى كَفِّكم عَمّا يَكُونُ مِنها فَسادًا؛ وأصْلُ البَقِيَّةِ تَرْكُ شَيْءٍ مِن شَيْءٍ قَدْ مَضى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب