الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضى أمْرُ إنْبائِهِمْ بِبِشارَةِ الأوْلِياءِ وهَلاكِ الأعْداءِ، وعُلِمَ مِن ذَلِكَ أنَّهم لا يَنْزِلُونَ إلّا لِلْأُمُورِ الهائِلَةِ والأحْوالِ المُعْجِبَةِ، أخَذَ يَقُصُّ أمْرَهم مَعَ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقالَ عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَعَلُوا مَعَ إبْراهِيمَ انْفِصالَهم عَنْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ما ذُكِرَ، ثُمَّ فارَقُوهُ نَحْوَ لُوطٍ، [ولَمْ يَذْكُرِ الحَرْفَ المَصْدَرِيَّ لِأنَّ سِياقَهُ ومَقْصُودَ السُّورَةِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَما نُشِيرُ إلَيْهِ في العَنْكَبُوتِ]: ﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا﴾ عَلى ما قارَنَهم مِن عَظَمَتِنا ﴿لُوطًا﴾ بَعْدَ انْفِصالِهِمْ عَنْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وبَيْنَ البَلَدَيْنِ ثَمانِيَةُ أمْيالٍ، وقِيلَ: أرْبَعَةُ فَراسِخَ، اسْتَضافُوهُ فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا (p-٣٣٨)مِن قَبُولِهِمْ عَلى ما أوْصى اللَّهُ بِالضَّيْفِ مُطابِقًا لِعَوائِدِ [أهْلِ] المَكارِمِ، فَقَبِلَهم وأزْمَعَ المُقاتَلَةَ عَنْهم لِما رَأى مِن حُسْنِ أشْكالِهِمْ ورَوْنَقِ جَمالِهِمْ مَعَ ما يَعْلَمُ مِن قُبْحِ أفْعالِ قَوْمِهِ وخُبْثِ سَرائِرِهِمْ، ولَمّا جاؤُوهُ عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ أيْ: حَصَلَتْ لَهُ المَساءَةُ بِسَبَبِ \ مَجِيئِهِمْ إلى قَرْيَتِهِ لِما يُعْلَمُ مِن لُؤْمِ أهْلِها، والتَّعْبِيرُ عَنْ هَذا المَعْنى بِالمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أحْضَرُ وأوْقَعُ في النَّفْسِ وأرْشَقُ ﴿وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أيْ: ذَرْعُهُ أيِ اتِّساعُهُ في كُلِّ [وقْتِ] قُوَّةٍ أُوتِيَها، وهو مَثَلٌ يُقالُ لِمَن لَمْ يَجِدْ مِنَ المَكْرُوهِ مُخَلِّصًا، ومادَّةُ ذَرَعَ - بِأيِّ تَرْتِيبٍ كانَ - تَدُورُ عَلى الِاتِّساعِ لِأنَّهُ لا يُذْرَعُ إلّا الكَثِيرُ، وذَرَعَ الرَّمْلُ: اتَّسَعَ، ومَوْتٌ ذَرِيعٌ: فاشٍ، والمُذَرَّعُ: الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وأبَوْهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ، فَهو أكْثَرُ انْتِشارًا مِمَّنِ انْحَصَرَ في أحَدِهِما؛ والذَّرِيعَةُ: ما يَخْتَلِي بِهِ الصَّيْدُ، فَهو يُوَسِّعُ لَهُ مِنَ الأمَلِ ما يَحْمِلُهُ عَلى الإقْدامِ، وحَلْقَةٌ يُتَعَلَّمُ عَلَيْها الرَّمْيُ، لِأنَّها تَسَعُ السَّهْمَ، أوْ لِأنَّ مُصِيبَها واسِعُ الأمْرِ في صِناعَةِ الرَّمْيِ، والوَسِيلَةُ لِأنَّها تُوَصِّلُ المُتَوَسِّلَ؛ والذُّعْرُ: الخَوْفُ، لِاتِّساعِ الفِكْرِ فِيهِ وتَجْوِيزِ أدْنى احْتِمالٍ؛ والعُذْرُ: إيساعُ الحِيلَةِ في وجْهٍ يُزِيلُ ما ظَهَرَ مِنَ التَّقْصِيرِ، مِنَ العَذَوَّرِ - لِلْحِمارِ الواسِعِ الجَوْفِ، وهو أيْضًا المَلِكُ لِسِعَتِهِ، والعِذارُ: أوْسَعُ ما في الوَجْهِ، وأعْذَرْتُ الغُلامَ: خَتَنْتَهُ، أيْ أوْسَعْتَ (p-٣٣٩)أُكْرَتَهُ، والإعْذارُ - لِطَعامِ الخِتانِ ونَحْوِهِ مِنهُ، وعُذْرَةُ الجارِيَةِ مُوجِبَةٌ لِعُذْرِها في النَّفْرَةِ لِلْخَوْفِ عَلى نَفْسِها، والعُذْرَةُ: وجَعٌ في الحَلْقِ، وهو سُقُوطُهُ حَتّى يَغْمِزَ، كَأنَّهُ شُبِّهَ بِعُذْرَةِ البِكْرِ في سَدِّهِ الحَلْقَ بِما يُوجِبُ الغَمْزَ، وكَذا العُذْرَةُ - لِلنّاصِيَةِ لِبَذْلِ الجُهْدِ في المُدافَعَةِ عَنْها، والعَذْراءُ: نَجْمٌ إذا طَلَعَ اشْتَدَّ الحُرُّ فاتَّسَعَ بِساطُ الأرْضِ، والعَذِرَةُ - بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ: فِناءُ الدّارِ، وبِهِ سُمِّيَ الحَدَثُ، والعَذْراءُ: شَيْءٌ مِن حَدِيدٍ يُعَذَّبُ بِهِ الإنْسانُ، كَأنَّهُ سُمِّيَ لِأنَّهُ يُوَسِّعُ الخَوْفَ بِما يُجَنِّبُ ما يُوجِبُ الِاعْتِذارَ، فَلا تَزالُ تِلْكَ الحَدِيدَةُ بِكْرًا لا يُوجَدُ مَن يُعَذَّبُ بِها، وأمّا عَذَّرَ - بِالتَّشْدِيدِ - إذا قَصَّرَ فَهو لِلسَّلْبِ، أيْ فَعَلَ ما لا يُوجَدُ لَهُ عُذْرٌ، وكَذا تَعَذَّرَ الأمْرُ أيْ صَعُبَ، يَعْنِي أنَّهُ تَجَنَّبَ العُذْرَ فَلَمْ يَبْقَ لِسُهُولَتِهِ وجْهٌ، وأعْذَرَ - إذا كَثُرَتْ عُيُوبُهُ، أيْ دَخَلَ فِيما يَطْلُبُ لَهُ العُذْرَ كَأنْجَدَ. ولَمّا ذَكَرَ حالَهُ، ذَكَرَ قالَهُ [بِقَوْلِهِ]: ﴿وقالَ﴾ أيْ: لُوطٌ ﴿هَذا﴾ أيِ اليَوْمُ ﴿يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ أيْ: شَدِيدٌ جِدًّا لِما أعْلَمُ مِن جَهالَةِ مَن أنا بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ العَصَبِ وهو أطْنابُ المَفاصِلِ ورَوابِطُها، ومَدارُهُ عَلى الشِّدَّةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب