الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضَتْ قِصَّةُ عادٍ عَلى ما أرادَ سُبْحانَهُ، أتْبَعَها قِصَّةَ مَن كانُوا عَقِبَهم في الزَّمَنِ ومِثْلَهم في سُكْنى أرْضِ العَرَبِ وعِبادَةِ الأوْثانِ، والمُناسَبَةُ في الأمْرِ المُعَذَّبِ بِهِ؛ لِأنَّ المُوصِلَ لِلصَّيْحَةِ إلى الأسْماعِ هو الرِّيحُ (p-٣١٨)وفِي خَفاءِ أمْرِهِمْ، مُفَصَّلًا عَلى أهْلِ ذَلِكَ الزَّمانِ فَقالَ: ﴿وإلى﴾ أيْ: ولَقَدْ أرْسَلْنا إلى ﴿ثَمُودَ أخاهُمْ﴾ وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿صالِحًا﴾ ثُمَّ أخْرَجَ قَوْلَهُ ﷺ عَلى تَقْدِيرِ سُؤالٍ فَقالَ: ﴿قالَ يا قَوْمِ﴾ أيْ: يا مَن \ يَعِزُّ عَلَيَّ أنْ يَحْصُلَ لَهم سُوءٌ ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْظَمَ وحْدَهُ لِأنَّ عِبادَتَكم لَهُ مَعَ غَيْرِهِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ تَفْسِيرَ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿ما لَكُمْ﴾ أغْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ جَرْيًا عَلى مِنهاجِ الدُّعاةِ إلى اللَّهِ في أصْلِ الدِّينِ، وهو إفْرادُ المُنْعِمِ بِالعِبادَةِ. ولَمّا أمَرَهم بِذَلِكَ، ذَكَّرَهم قُدْرَتَهُ ونِعْمَتَهُ مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا فَقالَ: ﴿هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿أنْشَأكُمْ﴾ أيِ ابْتَدَأ خَلْقَكم ﴿مِنَ الأرْضِ﴾ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنها بِغَيْرِ واسِطَةٍ وبِخَلْقِكم مِنَ المَنِيِّ [مِنَ الدَّمِ] وهو مِنَ الغِذاءِ وهو مِنَ النَّباتِ وهو مِنَ الأرْضِ كَما أنْشَأ أوْثانَكم مِنها ”و“ رَفَعَ مِقْدارَكم عَلَيْها بِأنِ ”اسْتَعْمَرَكم“ أيْ: أهَّلَكم لِما لَمْ يُؤَهِّلْ لَهُ الأوْثانَ مِن أنْ تَكُونُوا عُمّارًا ﴿فِيها﴾ فَلا تَنْسَوْا حَقَّ إلَهِكم وما فَضَّلَكم بِهِ مِن حَقِّ أنْفُسِكم بِخُضُوعِكم لِما لا يُساوِيكم فَكَيْفَ بِمَن أنْشَأكم وإيّاها؛ والإنْشاءُ: الِابْتِداءُ بِالإيجادِ مِن غَيْرِ اسْتِعانَةٍ بِشَيْءٍ مِنَ الأسْبابِ. ولَمّا بَيَّنَ لَهم سُبْحانَهُ عَظَمَتَهُ، وكانَ الشَّيْطانُ قَدْ شَبَّهَ عَلَيْهِمْ لِأنَّهُ لِعَظَمَتِهِ لا يُوصَلُ إلَيْهِ بِوَسِيلَةٍ كَما هو حالُ المُلُوكِ وألْقى إلَيْهِمْ أنَّ الأوْثانَ (p-٣١٩)وسائِلُ، نَفى ذَلِكَ مُبَيِّنًا طَرِيقَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَغْفِرُوهُ﴾ أيْ: فَأقْبِلُوا بِكُلِّ قُلُوبِكم عَلَيْهِ طالِبِينَ أنْ يَسْتُرَ ذُنُوبَكُمْ؛ وذَكَرَ شَرْطَ المَغْفِرَةِ بِقَوْلِهِ مُشِيرًا بِأداةِ البُعْدِ إلى عَظِيمِ المَنزِلَةِ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا﴾ أيِ ارْجِعُوا بِجَمِيعِ قُلُوبِكم ﴿إلَيْهِ﴾ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ وعَطْفِهِ تَرْغِيبًا في الإقْبالِ إلَيْهِ فَقالَ مُؤَكِّدًا لِأنَّ مَن يَرى إمْهالَهُ لِلْعُصاةِ يَظُنُّ الظُّنُونَ ومَن عَصاهُ كانَ عَمَلُهُ عَمَلَ مَن يُنْكِرُ قُرْبَهُ وإجابَتَهُ: ﴿إنَّ رَبِّي﴾ الَّذِي أخْلَصْتُ لَهُ العِبادَةَ لِإحْسانِهِ إلَيَّ وأدْعُوكم إلى الإخْلاصِ لَهُ لِإحْسانِهِ إلَيْكم ﴿قَرِيبٌ﴾ مِن كُلِّ مَن أقْبَلَ إلَيْهِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى مُعاناةِ مَشْيٍ ولا حَرَكَةٍ جارِحَةٍ ﴿مُجِيبٌ﴾ لِكُلِّ مَن ناداهُ لا كَمَعْبُوداتِكم في الأمْرَيْنِ مَعًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب