الباحث القرآني

﴿وأُتْبِعُوا﴾ جَمِيعًا بَعْدَ (p-٣١٦)إهْلاكِهِمْ بِأيْسَرِ وجْهٍ لِعَظِيمِ قُدْرَةِ المُتَّبِعِ ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيا﴾ حَقَّرَها في هَذِهِ العِبارَةِ بِما أشارَتْ إلَيْهِ الإشارَةُ مَعَ التَّصْغِيرِ، وبِما دَلَّ عَلى الدُّنُوِّ وبِأنَّ مَنِ اغْتَرَّ بِها فَهو مِمَّنْ وقَفَ مَعَ الشّاهِدِ لِما لَهُ مِنَ الجُمُودِ ﴿لَعْنَةً﴾ أيْ: طَرْدًا وبُعْدًا وإهْلاكًا ﴿ويَوْمَ القِيامَةِ﴾ أيْ: كَذَلِكَ بَلْ أشَدُّ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: أفَما لِمُصِيبَتِهِمْ مِن تَلافٍ؟ فَقِيلَ: لا، ”ألّا“ مُفْتَتِحًا لِلْإخْبارِ عَنْهم بِهَذِهِ الأداةِ الَّتِي لا تُذْكَرُ إلّا بَيْنَ يَدَيْ كَلامٍ يَعْظُمُ مَوْقِعُهُ ويَجِلُّ خَطْبُهُ، والتَّأْكِيدُ في الإخْبارِ بِكُفْرِهِمْ تَحْقِيقٌ لِحالِهِمْ، وفِيهِ مِن أدِلَّةِ النُّبُوَّةِ وأعْلامِ الرِّسالَةِ الرَّدُّ عَلى طائِفَةٍ قَدْ حَدَثَتْ بِالقُرْبِ مِن زَمانِنا يُصَوِّبُونَ جَمِيعَ المِلَلِ وخَصُّوا عادًا هَذِهِ لِكَوْنِها أغْناهم بِأنْ قالُوا: إنَّهم مِنَ المُقَرَّبِينَ إلى اللَّهِ وإنَّهم بِعَيْنِ الرِّضى مِنهُ، فاللَّهُ المَسْؤُولُ في الإدالَةِ عَلَيْهِمْ وشِفاءِ الصُّدُورِ مِنهُمْ، وهم أتْباعُ ابْنِ عَرَبِيٍّ الكافِرِ العَنِيدِ أهْلِ الِاتِّحادِ، المُجاهِرُونَ بِعَظِيمِ الإلْحادِ، المُسْتَخِفُّونَ بِرَبِّ العِبادِ، فَلِذَلِكَ قالَ تَعالى مُبَيِّنًا لِحالِهِمْ بَيانًا لا خَفاءَ مَعَهُ: ﴿إنَّ عادًا كَفَرُوا﴾ ولَمْ يَقْصُرِ الفِعْلَ، بَلْ عَدّاهُ إعْظامًا لِطُغْيانِهِمْ فَقالَ: ﴿رَبَّهُمْ﴾ أيْ: غَطَّوْا [جَمِيعَ أنْوارِ] الظّاهِرِ الَّذِي لا يَصِحُّ أصْلًا خَفاؤُهُ لِأنَّهُ لا نِعْمَةَ عَلى مَخْلُوقٍ إلّا مِنهُ، [فَكانَ كُفْرُهم أغْلَظَ الكُفْرِ، ومَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْثَنِ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ إبْلاغِهِمْ جَمِيعَ ما أُمِرَ بِهِ ولا تَرَكَ شَيْئًا مِمّا أُوحِيَ إلَيْهِ فَلَكَ بِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وفِيهِمْ قُدْوَةٌ]، ومَن كَفَرَ مَن (p-٣١٧)أحْسَنَ إلَيْهِ بَعُدَ بُعْدًا لا قُرْبَ مَعَهُ. ولَمّا كانَ الأمْرُ عَظِيمًا والخَطْبُ جَلِيلًا، كَرَّرَ الأداةَ الَّتِي تُقالُ عِنْدَ الأُمُورِ الجَلِيلَةِ فَقالَ: ﴿ألا بُعْدًا لِعادٍ﴾ [هُوَ] مِن بَعِدَ - بِكَسْرِ العَيْنِ إذا كانَ بُعْدُهُ بِالهَلاكِ، وبَيَّنَهم بِقَوْلِهِ: ﴿قَوْمِ هُودٍ﴾ تَحْقِيقًا لَهم لِأنَّهم عادانِ: الأُولى والآخِرَةُ، وإيماءً إلى أنَّ اسْتِحْقاقَهم لِلْإبْعادِ بِما جَرى لِهُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَهم مِنَ الإنْكارِ والدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الهَلاكِ كِنايَةً عَنِ الإخْبارِ بِأنَّهم كانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلْهَلاكِ؛ والجَحْدُ: الخَبَرُ عَمّا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ أنَّهُ لا يَعْلَمُها، وهو ضِدُّ الِاعْتِرافِ كَما أنَّ النَّفْيَ ضِدُّ الإثْباتِ، فَهو خَبَرٌ بِمُجَرَّدِ العَدَمِ فَهو أعَمُّ؛ والعِصْيانُ خِلافُ ما أُمِرَ بِهِ الدّاعِي عَلى طَرِيقِ الإيجابِ؛ واللَّعْنَةُ: الدُّعاءُ بِالإبْعادِ، وأصْلُها الإبْعادُ مِنَ الخَيْرِ؛ والإتْباعُ: جَعْلُ الثّانِي عَلى أثَرِ الأوَّلِ، والإبْلاغُ أخَصُّ مِنهُ، والمُرادُ هُنا بُلُوغُها لَهُمْ؛ لِأنَّ الَّذِي قَضى بِذَلِكَ قادِرٌ وقَدْ ألْحَقَ بِهِمْ عَذابَ الدُّنْيا المُبْعِدَ لَهم مِن مَظانِّ الرَّحْمَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب