الباحث القرآني

ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِما يَدُلُّ عَلى شُمُولِ العِلْمِ والقُدْرَةِ مَعًا فَقالَ: (p-٢٣٧)﴿وما﴾ وأغْرَقَ في العُمُومِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دابَّةٍ﴾ ودَلَّ عَلى أنَّ الِانْتِفاعَ بِالأمْوالِ مَخْصُوصٌ بِأهْلِ العالَمِ السُّفْلِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: صَغُرَتْ أوْ كَبُرَتْ ﴿إلا عَلى اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ وحْدَهُ لا عَلى غَيْرِهِ ﴿رِزْقُها﴾ أيْ: قُوتُها وما تَنْتَفِعُ وتَعِيشُ بِهِ بِمُقْتَضى ما أوْجَبَهُ عَلى نَفْسِهِ، [تَحْقِيقًا لِوُصُولِهِ وحَمْلًا عَلى التَّوَكُّلِ فِيهِ]، لِأنَّ الإفْضالَ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما لا تَعِيشُ إلّا بِهِ ولا يُلائِمُها إلّا هو مُدَّةَ حَيّاتِها أدَقُّ مِمّا مَضى في العِلْمِ مَعَ تَضَمُّنِهِ لِتَمامِ القُدْرَةِ، والآيَةُ مَعَ ذَلِكَ ناظِرَةٌ إلى تَرْغِيبِ آيَةِ: ﴿وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [هود: ٣] فالمُرادُ: أخْلِصُوا العِبادَةَ لَهُ ولا تَفْتُرُوا عَنْ عِبادَتِهِ لِلِاشْتِغالِ بِالرِّزْقِ فَإنَّهُ ضَمِنَهُ لَكم وهو عالِمٌ بِكُلِّ نَفْسٍ فَلا تَخْشَوْا مِن أنَّهُ يَنْسى أحَدًا. وقالَ: ”وفي الأرْضِ“ لِيَعُمَّ ما يَمْشِي عَلى وجْهِها وما في أطْباقِها مِنَ الدِّيدانِ ونَحْوِها مِمّا لا يَعْلَمُهُ إلّا هُوَ، لَقَدْ شاهَدْتُ داخِلَ حَصاةٍ مِن شاطِئِ بَحْرِ قُبْرُسَ شَدِيدَةِ الصَّلابَةِ كَأنَّها العَقِيقُ الأبْيَضُ دُودَةً عِنْدَها ما تَأْكُلُ، وأخْبَرَنِي الفاضِلُ عِزُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ التَّكْرُورِيُّ الكُتُبِيُّ أنَّهُ شاهَدَ غَيْرَ مَرَّةٍ في دَواخِلِ حِجارَةٍ تُقْطَعُ مِن جَبَلِ مِصْرَ الدُّودَ عِنْدَهُ ما يَأْكُلُ مِنَ الحَشِيشِ الأخْضَرِ وما يَشْرَبُ مِنَ الماءِ؛ ونَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها﴾ أيْ: مَكانَها الَّذِي تَسْتَقِرُّ فِيهِ ﴿ومُسْتَوْدَعَها﴾ أيْ: مَوْضِعَها الَّذِي تُودَعُ فِيهِ قَبْلَ الِاسْتِقْرارِ مِن صُلْبٍ أوْ رَحِمٍ أوْ بَيْضَةٍ أوْ بَعْدَهُ \ مِن قَبْرٍ أوْ فَلاةٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلى ما يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ مِن تَفاصِيلِ (p-٢٣٨)السَّكَناتِ والحَرَكاتِ ما كانَ مِنها وما يَكُونُ مِن كُلِّ ذَلِكَ مِمّا يُحَيِّرُ الفِكْرَ ويُدْهِشُ الألْبابَ، ثُمَّ جَعَلَ فاصِلَةَ الآيَةِ ما هو في غايَةِ العَظَمَةِ عِنْدَ الحَقِّ وهُوَ: ﴿كُلٌّ﴾ أيْ: مِن ذَلِكَ ﴿فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ فَإنَّهُ لَيْسَ كُلُّ ما يَعْلَمُهُ العَبْدُ يَقْدِرُ عَلى كِتابَتِهِ ولا كُلُّ ما يَكْتُبُهُ يَكُونُ مُبَيَّنًا بِحَيْثُ إنَّهُ كُلَّما أرادَ الكَشْفَ مِنهُ وجَدَ ما يُرِيدُهُ، وإذا وجَدَهُ كانَ مُفْهِمًا لَهُ؛ والدّابَّةُ: الحَيُّ الَّذِي مِن شَأْنِهِ الدَّبِيبُ؛ والمُسْتَقَرُّ: المَوْضِعُ الَّذِي يَقِرُّ فِيهِ الشَّيْءُ، وهو قَرارُهُ ومَكانُهُ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ؛ والمُسْتَوْدَعُ: المَعْنى المَجْعُولُ في قَرارِهِ كالوَلَدِ الَّذِي يَكُونُ في البَطْنِ والنُّطْفَةِ الَّتِي في الظَّهْرِ، وقَدْ جَعَلَ سُبْحانَهُ في كِتابِهِ ما ذُكِرَ حُكْمًا مِنها ما لِلْمَلائِكَةِ فِيهِ مِنَ العِبْرَةِ عِنْدَ المُقابَلَةِ بِما يَكُونُ مِنَ الأُمُورِ المَكْتُوبَةِ قَبْلَ وُجُودِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب