الباحث القرآني

ولَمّا اسْتَوْفى تَشْيِيدَهُ أمَرَهُ وهَدْمَ قَوْلِهِمْ، أخَذَ يُحَذِّرُهم فَقالَ مُبَيِّنًا أنَّ العُدُولَ عَمّا جاءَ بِهِ لا يَكُونُ إلّا بِمُعالَجَةِ الطَّبْعِ السَّلِيمِ: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ ولَوْ أدْنى تَوْلِيَةٍ - بِما يُشِيرُ إلَيْهِ حَذْفُ التّاءِ، فَعَلَيْكُمُ اللَّوْمُ دُونِي، لِأنِّي فَعَلْتُ ما عَلَيَّ ﴿فَقَدْ﴾ أيْ: بِسَبَبِ أنِّي قَدْ ﴿أبْلَغْتُكم ما﴾ أيْ: كُلَّ شَيْءٍ (p-٣١٣)﴿أُرْسِلْتُ﴾ أيْ: تَقَدَّمَ إرْسالِي مِن عِنْدِ مَن لا مُرْسِلَ في الحَقِيقَةِ غَيْرُهُ ﴿بِهِ إلَيْكُمْ﴾ كامِلًا لَمْ أدَعْ مِنهُ شَيْئًا رَجاءً لِإقْبالِكم ولا خَوْفًا مِن إعْراضِكُمْ، فَأبَيْتُمْ إلّا التَّكْذِيبَ لِي والِاسْتِكْبارَ عَمّا جِئْتُ بِهِ، فالَّذِي أرْسَلَنِي يَنْتَقِمُ مِنكم فَيُهْلِكَكم ﴿ويَسْتَخْلِفُ رَبِّي﴾ أيْ: يُوجِدُ المُحْسِنُ إلَيَّ بِإقامَتِي فِيما يُرْضِيهِ ﴿قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ يَخْلُفُونَكم في دِيارِكم وأمْوالِكُمْ، فَتَكُونُونَ أعْداءَهُ، ويَكُونُ المُسْتَخْلَفُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِأنْ يَكُونُوا أوْلِياءَ [مَعَ كَوْنِهِمْ ذَوِي بَأْسٍ وقُوَّةٍ] فَيَخْتَصُّ الضَّرَرُ بِكم ﴿ولا تَضُرُّونَهُ﴾ أيِ اللَّهَ بِإعْراضِكم ﴿شَيْئًا﴾ ثُمَّ عَلَّلَ وعِيدَهُ لَهم بِقَوْلِهِ مُؤَكَّدًا لِأنَّ العاصِيَ فاعِلٌ بِعِصْيانِهِ فِعْلَ مَن يَظُنُّ أنَّ اللَّهَ غافِلٌ عَنْهُ: ﴿إنَّ رَبِّي﴾ أيِ المُحْسِنَ إلَيَّ المُدَبِّرَ لِمَصالِحِي. ولَمّا كانَ الأهَمُّ في هَذا السِّياقِ بَيانَ اسْتِعْلائِهِ وقُدْرَتِهِ، قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ صَغِيرٍ أوْ كَبِيرٍ جَلِيلٍ أوْ حَقِيرٍ ﴿حَفِيظٌ﴾ أيْ: عالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وقادِرٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ [و] بالِغُ الحِفْظِ لَهُ، فَيَعْلَمُ ما يَعْمَلُ مَحْفُوظُهُ فَيُجازِيَهِ بِما يَسْتَحِقُّ مِن نِعَمِهِ ونِقَمِهِ، فَهو تَعْلِيلٌ لِاسْتِخْلافِ غَيْرِهِمْ وتَنَزُّهِهِ عَنْ لُحُوقِ ضَرَرٍ، لِأنَّ الحِفْظَ: الحِراسَةُ، ويَلْزَمُها العِلْمُ والقُدْرَةُ، فَمِنَ القُدْرَةِ حافِظُ العَيْنِ، أيْ لا يَغْلِبُهُ نَوْمٌ، والحَفِيظَةُ - لِلْحَمِيَّةِ والغَضَبِ، ومِنهُما مَعًا المُحافَظَةُ - لِلْمُواظَبَةِ عَلى الشَّيْءِ؛ والتَّوَلِّي عَنِ الشَّيْءِ: الذَّهابُ إلى غَيْرِ جِهَتِهِ إعْراضًا عَنْهُ؛ والإبْلاغُ: إلْحاقُ الشَّيْءِ نِهايَتَهُ؛ (p-٣١٤)والِاسْتِخْلافُ: جَعْلُ الثّانِي بَدَلًا مِنَ الأوَّلِ يَقُومُ مَقامَهُ؛ والضُّرُّ: إيجابُ الألَمِ بِفِعْلِهِ أوِ التَّسَبُّبِ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب