الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الِاسْتِثْناءُ مِن أهْلِهِ في قَوْلِهِ: ﴿إلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ امْرَأتُهُ فَقَطْ، فَتَكُونُ نَجاةُ ابْنِهِ جائِزَةً، وكانَ ما عِنْدَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن فَرْطِ الشَّفَقَةِ عَلى الخَلْقِ لا سِيَّما الأقارِبُ يَحْمِلُهم عَلى السَّعْيِ في صَلاحِهِمْ ما كانَ لِذَلِكَ وجْهٌ كَما تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] لِأنَّ أجْنِحَةَ الخَلْقِ كَسِيرَةٌ وأيْدِيَهم قَصِيرَةٌ وأمْرَهم ضَعِيفٌ وحالَهم رَثٌّ، فَأدْنى هَوانٍ يُورِثُهُمُ الخُسْرانَ، وأمّا جَنابُ الحَقِّ فَفَسِيحٌ وشَأْنُهُ عَظِيمٌ وأمْرُهُ عَلِيٌّ، فَلا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِوَجْهٍ ولا يُدانِيهِ ضَرَرٌ ولا يَعْتَرِي أمْرَهُ وهْنٌ، لَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، سَألَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ نَجاةَ ولَدِهِ كَما أخْبَرَ عَنْهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿ونادى نُوحٌ رَبَّهُ﴾ [أيِ الَّذِي عَوَّدَهُ بِالإحْسانِ الجَزِيلِ]، ودَلَّ سُبْحانَهُ بِالعَطْفِ بِالفاءِ دُونَ أنْ يَأْتِيَ بِالِاسْتِئْنافِ المُفَسِّرِ لِلنِّداءِ عَلى أنَّ ما ذُكِرَ هُنا مِن نِداءِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْضُ نِدائِهِ وأنَّ هَذا المَذْكُورَ مُرَتَّبٌ مُعَقَّبٌ عَلى شَيْءٍ مِنهُ سابِقٌ عَلَيْهِ أقْرَبُهُ أنْ يَكُونَ ما أرْشَدَهُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ ويَشْعُرُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ هَذا جَوابًا لَهُ: ﴿يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا﴾ [هود: ٤٨] فَيَكُونُ (p-٢٩٤)تَقْدِيرُ الكَلامِ: قالَ: رَبِّ أنْزِلْنِي مَنزِلًا مُبارَكًا - وما قُدِّرَ لَهُ مِنَ الكَلامِ ﴿فَقالَ﴾ أيْ: عَقَبَةً لِما حَمَلَهُ عَلى ذَلِكَ مِن رَحْمَةِ النُّبُوَّةِ وشَفَقَةِ الأُبُوَّةِ وسَجِيَّةِ البَشَرِ مُتَعَرِّضًا لِنَفَحاتِ الرَّحْمَةِ وعَواطِفِ العَفْوِ؛ أوِ الفاءُ تَفْصِيلٌ لِمُجْمَلِ ”نادى“ مِثْلَ ما [فِي]: تَوَضَّأ فَغَسَلَ. ﴿رَبِّ إنَّ ابْنِي﴾ أيِ الَّذِي غَرِقَ ﴿مِن أهْلِي﴾ أيْ: وقَدْ أمَرْتَنِي بِحَمْلِ أهْلِي، وذَلِكَ الأمْرُ مُحْتَمِلٌ لِلْإشارَةِ إلى إرادَةِ نَجاتِهِمْ ﴿وإنَّ وعْدَكَ الحَقُّ﴾ أيِ الكامِلُ في نَجاتِهِمْ إلّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ، وقَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ في المَرْأةُ الكافِرَةُ ﴿وأنْتَ أحْكَمُ الحاكِمِينَ﴾ لِأنَّكَ أعْلَمُهُمْ، ومَن كانَ أعْلَمَ كانَ أحْكَمَ فَتَعْلَمُ أنَّ قَوْلَكَ: ﴿إلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَصِحُّ بِاسْتِثْنائِها وحْدَها، فَإنْ كانَ ابْنِي مِمَّنْ نَجا فَأْتِنِي بِهِ؛ وإنْ كانَ هَذا الدُّعاءُ عِنْدَ حَيْلُولَةِ المَوْجِ بَيْنَهُما فالمَعْنى: فَلا تُهْلِكْهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب