الباحث القرآني

﴿وهِيَ﴾ أيْ: والحالُ أنَّها ﴿تَجْرِي بِهِمْ﴾ ولَمّا كانَ الماءُ مُهَيِّئًا لِلْإغْراقِ، فَكانَ السَّيْرُ عَلى ظَهْرِهِ مِنَ الخَوارِقِ، وأشارَ إلى ذَلِكَ بِالظَّرْفِ فَقالَ: ﴿فِي مَوْجٍ﴾ ونَبَّهَ عَلى عُلُوِّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿كالجِبالِ﴾ أيْ: في عِظَمِهِ وتَراكُمِهِ [وارْتِفاعِهِ]، فالجُمْلَةُ حالٌ مِن فَرَكِبُوها المُقَدَّرِ؛ لِأنَّهُ لِظُهُورِهِ في قُوَّةِ المَلْفُوظِ، وكانَ هَذِهِ الحالُ مَعَ (p-٢٨٨)أنَّ اسْتِدامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ إشارَةً إلى سُرْعَةِ امْتِلاءِ الأرْضِ مِنَ الماءِ وصَيْرُورَتِهِ فِيها أمْثالَ الجِبالِ عَقِبَ رُكُوبِهِمُ السَّفِينَةَ مِن غَيْرِ كَبِيرِ تَراخٍ، قالُوا: وكانَ أوَّلُ ما رَكِبَ مَعَهُ الذَّرَّةَ، وآخِرُ ما رَكِبَ مَعَهُ الحِمارَ، وتَعَلَّقَ إبْلِيسُ بِذَنَبِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعِ الدُّخُولَ حَتّى قالَ لَهُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ: ادْخُلْ ولَوْ كانَ الشَّيْطانُ مَعَكَ - كَذا قالُوا، وقِيلَ: إنَّهُ مَنَعَ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ وقالَ: إنَّكُما سَبَبُ الضُّرِّ، فَقالا: احْمِلْنا ولَكَ أنْ لا نَضُرَّ أحَدًا ذَكَرَكَ، فَمَن قالَ: ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ [الصافات: ٧٩] ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ٨٠] ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٨١] لَمْ تَضُرّاهُ. ولَمّا كانَ ابْتِداءُ الحالِ في تَفَجُّرِ الأرْضِ كُلِّها عُيُونًا وانْهِمارِ السَّماءِ انْهِمارًا - مُرْشِدًا إلى أنَّ الحالَ سَيَصِيرُ إلى ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِن كَوْنِ المَوْجِ كالجِبالِ لا يُنْجِي مِنهُ إلّا السَّبَبُ الَّذِي أقامَهُ سُبْحانَهُ، تَلا ذَلِكَ بِأمْرِ ابْنِ نُوحٍ فَقالَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿وقالَ ارْكَبُوا﴾ [هود: ٤١] ﴿ونادى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [أيْ] كَنْعانَ وهو لِصُلْبِهِ - نَقَلَهُ الرُّمّانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والضَّحّاكِ ﴿وكانَ﴾ أيِ الِابْنُ ﴿فِي مَعْزِلٍ﴾ أيْ: عَنْ أبِيهِ في مَكانِهِ وفي دِينِهِ لِأنَّهُ كانَ كافِرًا، وبَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ المَعْزِلَ كانَ عَلى بَعْضِ البُعْدِ بِقَوْلِهِ: ﴿يا بُنَيَّ﴾ صَغَّرَهُ تَحَنُّنًا وتَعَطُّفًا ﴿ارْكَبْ﴾ كائِنًا ﴿مَعَنا﴾ - أيْ في السَّفِينَةِ لِتَكُونَ مِنَ النّاجِينَ ﴿ولا تَكُنْ﴾ أيْ: بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ﴿مَعَ الكافِرِينَ﴾ أيْ: في دِينٍ ولا مَكانٍ إشارَةً إلى أنَّ حِرْصَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ (p-٢٨٩)وشَفَقَتَهم - وإنْ كانَتْ مَعَ رُؤْيَةِ الآياتِ العِظامِ والأُمُورِ الهائِلَةِ - لَيْسَتْ سَبَبًا لِلِينِ القُلُوبِ وخُضُوعِ النُّفُوسِ ما لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ، انْظُرْ إلى اسْتِعْطافِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْلِهِ: ”يا بُنَيَّ“ مُذَكِّرًا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ تَصْغِيرِ التَّحَنُّنِ والتَّراؤُفِ وفَظاظَةِ الِابْنِ مَعَ عَدَمِ سَماحِهِ بِأنْ يَقُولَ: يا أبَتِ، ولَمْ يَلِنْ مَعَ ما رَأى مِنَ الآياتِ العِظامِ ولا تَناهى لِشَيْءٍ مِنها عَنْ تَقَحُّمِ الجَهْلِ بَدَلًا مِنَ العِلْمِ وتَعَسُّفِ الشُّبْهَةِ بَدَلًا مِنَ الحُجَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب