الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَضْمُونُ هَذِهِ الآيَةِ نَحْوَ مَضْمُونِ قَوْلِهِ: ﴿إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾ [هود: ١٢] فَإنَّ النَّذِيرَ مَن يَنْصَحُ المُنْذَرَ، والوَكِيلَ [هُوَ] المَرْجُوعُ إلَيْهِ في أمْرِ الشَّيْءِ المَوْكُولِ إلَيْهِ، وما قَبْلَها تَعْرِيضٌ بِنِسْبَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى الِافْتِراءِ، تَلاهُ بِما تَلا بِهِ ذاكَ مِنَ النِّسْبَةِ إلى الِافْتِراءِ وإشارَةً إلى أنَّ هَذِهِ القِصَصَ كُلَّها لِلتَّسْلِيَةِ في أمْرِ النِّذارَةِ والتَّأْسِيَةِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: أيَقُولُونَ لَكَ مِثْلَ هَذِهِ الأقْوالِ فَقَدْ قالُوها لِنُوحٍ كَما تَرى، ثُمَّ والى عَلَيْهِمْ مِنَ الإنْذارِ ما لَمْ يَطْعَمُوا مَعَهُ في تَرْكِ شَيْءٍ مِمّا أمَرْناهُ بِهِ أعْجَبَهم أوْ أغْضَبَهُمْ، فَلَكَ بِهِ أُسْوَةٌ وحَسْبُكَ بِهِ قُدْوَةً في أنْ تَعُدَّ كَلامَهم عَدَمًا وتَقْبَلَ عَلى ما أرْسَلْناكَ بِهِ مِن بَذْلِ النَّصِيحَةِ بِالنِّذارَةِ: ﴿أمْ يَقُولُونَ﴾ في القُرْآنِ ﴿افْتَراهُ﴾ إصْرارًا عَلى ما تَقَوَّلُوهُ فَدَمَغَهُ الدَّلِيلُ وأدْحَضَتْهُ الحُجَّةُ فَكَأنَّهُ قِيلَ: نَعَمْ، [إنَّهُمْ] يَقُولُونَ ذَلِكَ، (p-٢٨١)فَقِيلَ: لا عَلَيْكَ؛ فَإنَّهُ قَوْلٌ يَقْصِدُونَ بِهِ مُجَرَّدَ العِنادِ وهم يَعْلَمُونَ خِلافَهُ بَعْدَ ما قامَ عَلَيْهِمْ مِنَ الحُجَجِ الَّتِي وصَلُوا مَعَها إلى عَيْنِ اليَقِينِ فَلا يَهُمَّنَّكَ قَوْلُهم هَذا، فَإنَّهم يَجْعَلُونَهُ وسِيلَةً إلى تَرْكِكَ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْكَ فَلا تَفْعَلْ، بَلْ ﴿قُلْ﴾ في جَوابِ قَوْلِهِمْ هَذا ﴿إنِ افْتَرَيْتُهُ﴾ أيْ: قَطَعْتُ كَذِبَهُ ﴿فَعَلَيَّ﴾ أيْ: خاصًّا بِي ﴿إجْرامِي﴾ أيْ: وبالُهُ وعِقابُهُ دُونَكم وإذا اسْتَعْلى عَلَيَّ الإجْرامُ عُرِفَ ذَلِكَ لِأرْبابِ العُقُولِ وظَهَرَ ظُهُورًا أفْتَضِحُ بِهِ وأنْتُمْ أعْرَفُ النّاسِ بِأنِّي أبْعَدُ مِن ذَلِكَ مِمّا بَيْنَ اجْتِماعِ الضِّدَّيْنِ وارْتِفاعِ النَّقِيضَيْنِ لِما تَعْلَمُونَ مِنِّي مِن طَهارَةِ الشِّيَمِ وعُلُوِّ الهِمَمِ وطِيبِ الذِّكْرِ وشَرِيفِ القَدْرِ وكَرِيمِ الأمْرِ، هَذا لَوْ كُنْتُ قادِرًا عَلى ذَلِكَ فَكَيْفَ وأنا وأنْتُمْ في العَجْزِ عَنْهُ سَواءٌ ﴿وأنا بَرِيءٌ﴾ أيْ: غايَةَ البَراءَةِ ﴿مِمّا تُجْرِمُونَ﴾ أيْ: تُوجِدُونَ إجْرامَهُ، لَيْسَ عَلَيَّ مِن إجْرامِكم عائِدُ ضَرَرٍ بَعْدَ أنْ أوْضَحْتُهُ لَكم وكَشَفْتُ عَنْكم غِطاءَ الشُّبَهِ، إنَّما ضَرَرُهُ عَلَيْكم فاعْمَلُوا عَلى تَذَكُّرِ هَذا المَعْنى فَإنَّ سَوْقَ جَوابِهِمْ عَلى هَذا الوَجْهِ أنْكى لَهم مِن إقامَةِ حُجَّةٍ أُخْرى لِأنَّهم يَعْلَمُونَ مِنهُ أنَّهُ إلْزامٌ لَهم بِالفَضِيحَةِ لِانْقِطاعِهِمْ لَدى مَن لَهُ وعْيٌ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هَلِ انْتَبَهَ قَوْمُكَ يا مُحَمَّدُ فَعَلِمُوا قُبْحَ مِثْلِ هَذِهِ الحالِ وأنَّها حالُ المُعانِدِينَ، فَرَجَعُوا تَكَرُّمًا عَنْ رُكُوبِ مِثْلِها \ واسْتِحْياءً ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ﴾ أيْ: كَذَبَهُ مُتَعَمِّدًا اسْتِمْرارًا عَلى العِنادِ وتَمادِيًا في البِعادِ كَما تَمادى قَوْمُ نُوحٍ فَيَحِلُّ (p-٢٨٢)بِهِمْ ما حَلَّ بِهِمْ، أيْ: هَلْ رَجَعُوا بِهَذا المِقْدارِ مِن قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ أمْ هم مُسْتَمِرُّونَ عَلى ما نَسَبُوكَ إلَيْهِ في أوائِلِ السُّورَةِ مِنَ افْتِرائِهِ فَيَحْتاجُونَ إلى تَكْمِيلِ القِصَّةِ بِما وقَعَ مِن عَذابِهِمْ لِيَخافُوا مِثْلَ مُصابِهِمْ؛ وافْتِراءُ الكَذِبِ: افْتِعالُهُ مِن قِبَلِ النَّفْسِ فَهو أخَصُّ مِن مُطْلَقِ الكَذِبِ لِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَقْلِيدًا لِلْغَيْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب