الباحث القرآني

فَلَمّا اسْتَوْفى نَقْضَ ما أبْرَمُوهُ في زَعْمِهِمْ مِن جَوابِهِمْ عَلى غايَةِ الإنْصافِ واللِّينِ والِاسْتِعْطافِ، اسْتَأْنَفَ الحِكايَةَ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿قالُوا﴾ [أيْ] قَوْلَ مَن لَمْ يَجِدْ في رَدِّهِ شُبْهَةً يُبْدِيها ولا مَدْفَعًا يُغِيرُ بِهِ: ﴿يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا﴾ أيْ أرَدْتَ فَتْلَنا وصَرْفَنا عَنْ آرائِنا بِالحِجاجِ وأرَدْنا صَرْفَكَ عَنْ رَأْيِكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ﴿فَأكْثَرْتَ﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ [وعَنْ تَضَجُّرِنا] أنَّكَ أكْثَرْتَ ﴿جِدالَنا﴾ أيْ: كَلامَنا عَلى صُورَةِ الجِدالِ ﴿فَأْتِنا﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ [وعَنْ] تَضَجُّرِنا أنْ نَقُولَ لَكَ: لَمْ يَصِحَّ (p-٢٧٨)عِنْدَنا دَعْواكَ، ائْتِنا ﴿بِما تَعِدُنا﴾ مِنَ العَذابِ ﴿إنْ كُنْتَ﴾ أيْ: كَوْنًا هو جِبِلَّةٌ لَكَ ﴿مِنَ الصّادِقِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينَ [فِي الصِّدْقِ في أنَّهُ يَأْتِينا] فَصَرَّحُوا بِالعِنادِ المُبْعِدِ مِنَ الإنْصافِ والِاتِّصافِ بِالسَّدادِ وسَمَّوْهُ بِاسْمِهِ ولَمْ يَسْمَحُوا بِأنْ يَقُولُوا لَهُ: يا ابْنَ عَمِّنا، مَرَّةً واحِدَةً كَما كَرَّرَ لَهُمْ: يا قَوْمِ، فَكانَ المَعْنى أنّا غَيْرُ قابِلِينَ لِشَيْءٍ مِمّا تَقُولُ وإنْ أكْثَرْتَ وأطَلْتَ - بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنهم بَلْ عِنادًا وكِبْرًا - فَلا تَتْعَبْ، بَلْ قَصِّرِ الأمْرَ مِمّا تَتَوَعَّدُنا بِهِ، وسَمَّوْهُ وعْدًا سُخْرِيَةً بِهِ، أيْ أنَّ هَذا الَّذِي جَعَلْتَهُ وعِيدًا هو عِنْدَنا وعْدٌ حَسَنٌ سارَ بِاعْتِبارِ أنّا نُحِبُّ حُلُولَهُ، المَعْنى أنَّكَ لَسْتَ قادِرًا عَلى ذَلِكَ ولا أنْتَ صادِقٌ فِيهِ، فَإنْ كانَ حَقًّا فائْتِنا بِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالَ لَهُمْ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ﴾ جَرْيًا عَلى سَنَنِ قَوْلِهِ: ﴿ولا أقُولُ لَكم عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أعْلَمُ الغَيْبَ﴾ [هود: ٣١] ﴿إنَّما يَأْتِيكم بِهِ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَتَبَرَّأ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ ورَدَّ ذَلِكَ إلى] مَن هو لَهُ، وأشارَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ شاءَ﴾ إلى أنَّهُ مُخَيَّرٌ في إيقاعِهِ وإنْ كانَ قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ بِهِ إرْشادًا إلى أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ولا يَقْبُحُ مِنهُ شَيْءٌ، بَلْ [و] لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ [وإنْ كانَ لا يَقَعُ إلّا ما أخْبَرَ بِهِ]؛ ثُمَّ بَيَّنَ لَهم عَجْزَهم وخَطَأهم في تَعَرُّضِهِمْ لِلْهَلاكِ فَقالَ: ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أيْ: في شَيْءٍ مِنَ الأوْقاتِ لِشَيْءٍ مِمّا يُرِيدُهُ بِكم سُبْحانَهُ؛ والإكْثارُ: الزِّيادَةُ عَلى مِقْدارِ الكِفايَةِ؛ والمُجادَلَةُ: المُقابَلَةُ بِما يَفْتِلُ الخَصْمَ عَنْ مَذْهَبِهِ بِحُجَّةٍ أوْ شُبْهَةٍ، وهو مِنَ الجَدَلِ وهو شِدَّةُ الفَتْلِ، والمَطْلُوبُ بِهِ الرُّجُوعُ عَنِ المَذْهَبِ، والمَطْلُوبُ (p-٢٧٩)بِالحِجاجِ ظُهُورُ الحُجَّةِ، فَهو قَدْ يَكُونُ مَذْمُومًا كالمِراءِ، وذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لِلتَّشْكِيكِ في الحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وحَيْثُ قُيِّدَ الجِدالُ بِ: ﴿الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] فالمُرادُ بِهِ إظْهارُ الحَقِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب