الباحث القرآني

ولَمّا كانَ نَفْيُهم لِلْفَضْلِ شامِلًا لِلْأمْوالِ وعِلْمِ الغَيْبِ، أقَرَّهم عَلى ذَلِكَ مُنَبِّهًا عَلى خَطَئِهِمْ فِيهِ بِأنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَيْنَهم قَطُّ ما يَكُونُ سَبَبًا لَهُ، فَقالَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ”لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا“؛ ﴿ولا أقُولُ لَكُمْ﴾ أيْ: في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ فَأتَفَضَّلُ عَلَيْكم بِها؛ (p-٢٧٦)ولَمّا كانَ مِنَ الجائِزِ أنْ يُمَكِّنَ اللَّهُ مَن يَشاءُ مِن خَزائِنِ الأرْزاقِ ونَحْوِها فَيَسُوغُ لَهُ أنْ يُطْلِقَ مِلْكَ ذَلِكَ مَجازًا، ولا يَجُوزَ أنْ يُمَكِّنَهُ مِن عِلْمِ الغَيْبِ، وهو ما غابَ عَنِ الخَلْقِ كُلِّهِمْ، لِأنَّهُ خاصَّتُهُ سُبْحانَهُ، قالَ عاطِفًا عَلى: ”أقُولُ“ لا عَلى المَقُولِ: ﴿ولا أعْلَمُ الغَيْبَ﴾ لا حَقِيقَةً ولا مَجازًا فَأعْلَمُ وقْتَ ما تُوعَدُونَ بِهِ أوْ ما في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِمّا قَدْ يُتَوَهَّمُ بِهِ مِنَ السُّوءِ، وأعْلَمَهم أنَّهُ لا مانِعَ مِن إرْسالِ البَشَرِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا أقُولُ إنِّي مَلَكٌ﴾ فَتَكُونُ قُوَّتِي أفْضَلَ مِن قُوَّتِكم أوْ خَلْقِي أعْظَمَ قَدْرًا مِن خَلْقِكم ونَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الفَضْلِ الصُّورِيِّ الَّذِي جَعَلْتُمُوهُ هو الفَضْلَ، فَلا \ تَكُونُ الآيَةُ دَلِيلًا عَلى أفْضَلِيَّةِ المَلائِكَةِ، وتَقَدَّمَ في الأنْعامِ سِرُّ إسْقاطِهِ ”لَكم“ . ولَمّا كانَ تَعْرِيضُهم بِنَفْيِ المَلَكِيَّةِ عَنْهُ مِن بابِ الإزْراءِ، أتْبَعَهُ تَأْكِيدَ قَبُولِهِ لِمَن آمَنَ كائِنًا مَن كانَ وإنِ ازْدَرَوْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا أقُولُ لِلَّذِينَ﴾ أيْ: لِأجْلِ الَّذِينَ ﴿تَزْدَرِي﴾ أيْ: تَحْتَقِرُ ﴿أعْيُنُكُمْ﴾ أيْ: تُقَصِّرُونَ بِهِ عَنِ الفَضْلِ عِنْدَ نَظَرِكم لَهُ وتَعِيبُونَهُ ﴿لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿خَيْرًا﴾ ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: ما لَكَ لا تَقُولُ ذَلِكَ؟ أجابَ بِما تَقْدِيرُهُ: لِأنِّي أعْلَمَ ضَمائِرَهم ولا أحْكُمُ إلّا عَلى الظّاهِرِ: ﴿اللَّهِ﴾ أيِ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿أعْلَمُ﴾ أيْ: حَتّى مِنهم ﴿بِما في أنْفُسِهِمْ﴾ ومِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا يَظْلِمُ أحَدًا، فَمَن كانَ في نَفْسِهِ خَيْرٌ جازاهُ عَلَيْهِ، ويَجُوزُ (p-٢٧٧)أنْ يَكُونَ هَذا راجِعًا إلى ﴿بادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود: ٢٧] بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ﷺ كَما تَقَدَّمَ؛ [ثُمَّ عَلَّلَ كَفَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكَّدًا لِإنْكارِهِمْ ظُلْمَهُ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ]: ﴿إنِّي إذًا﴾ أيْ: إذا قُلْتُ لَهم ذَلِكَ ﴿لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينَ في وضْعِ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ والخَزائِنُ: أخْبِيَةُ المَتاعِ الفاخِرَةُ، [وخَزائِنُ اللَّهِ مَقْدُوراتُهُ لِأنَّهُ يُوجِدُ مِنها ما يَشاءُ، وفي وصْفِها بِذَلِكَ بَلاغَةٌ]؛ والغَيْبُ: ذَهابُ الشَّيْءِ عَنِ الإدْراكِ، ومِنهُ الشّاهِدُ خِلافَ الغائِبِ، وإذا قِيلَ: عِلْمُ غَيْبٍ، كانَ مَعْناهُ: عِلْمٌ مِن غَيْرِ تَعْلِيمٍ؛ والِازْدِراءُ: الِاحْتِقارُ، وهو افْتِعالٌ مِنَ الزِّرايَةِ، زَرَيْتُ عَلَيْهِ - إذا عِبْتَهُ، وأزْرَيْتُ عَلَيْهِ - إذا قَصَّرْتَ بِهِ؛ والمَلَكُ أصْلُهُ مَأْلَكٌ مِنَ الألُوكَةِ وهي الرِّسالَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب