الباحث القرآني

ولَمّا اسْتَوْفى أوْصافَ الحِزْبَيْنِ وجَزاءَهُمْ، ضَرَبَ لِلْكُلِّ مَثَلًا بِقَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ﴾ أيِ الكافِرِينَ والمُؤْمِنِينَ، وهو مِن بابِ [اللَّفِّ] (p-٢٦٤)والنَّشْرِ المُرَتَّبِ، فَإنَّ الكافِرَ ذُكِرَ فِيما قَبْلُ أوَّلًا ﴿كالأعْمى﴾ أيِ العامِّ العَمى في بَصَرِهِ وبَصِيرَتِهِ ﴿والأصَمِّ﴾ في سَمْعِهِ كَذَلِكَ، فَهَذا لِلْكافِرِينَ ﴿والبَصِيرِ﴾ بِعَيْنِهِ وقَلْبِهِ ﴿والسَّمِيعِ﴾ عَلى أتَمِّ أحْوالِهِما، وهَذا لِلْمُؤْمِنِينَ، وفي أفْرادِ المَثَلِ طِباقٌ أيْضًا ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾ أيِ الفَرِيقانِ ﴿مَثَلا﴾ أيْ: مِن جِهَةِ المَثَلِ. ولَمّا كانَ الجَوابُ قَطْعًا لِمَن لَهُ أدْنى تَأمُّلٍ: لا يَسْتَوِيانِ مَثَلًا فَلا يَسْتَوِيانِ مَمْثُولًا، حَسُنَ تَسَبُّبُ الإنْكارِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: يَحْصُلُ لَكم أدْنى تَذَكُّرٍ بِما أشارَ إلَيْهِ الإدْغامُ فَتَعْلَمُوا صِدْقَ ما وُصِفُوا بِهِ بِما تَرَوْنَهُ مِن أحْوالِهِمْ، وذَلِكَ ما قُدِّمَ في حَقِّ الكُفّارِ مِن قَوْلِهِ: ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ [هود: ٢٠] الآيَةَ. والإخْباتُ: الخُشُوعُ المُسْتَمِرُّ عَلى اسْتِواءٍ فِيهِ، وأصْلُهُ الِاسْتِواءُ مِنَ الخَبْتِ، وهو الأرَضُ المُسْتَوِيَةُ الواسِعَةُ، ولَعَلَّهُ وصَلَهُ بِ: «إلى» في مَوْضِعِ اللّامِ إشارَةً إلى الإخْلاصِ؛ أيْ: إخْباتًا يَنْتَهِي إلى رَبِّهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يُحْجَبَ عَنْهُ؛ والمَثَلُ قَوْلٌ سائِرٌ يُشَبَّهُ فِيهِ حالُ الثّانِي بِحالِ الأوَّلِ، والأمْثالُ لا تُغَيَّرُ عَنْ صُورَتِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب