الباحث القرآني
ولَمّا كانَ ذَوُو الهِمَمِ العَوالِ، لا يُصَوِّبُونَ إلى الكُنُوزِ والأمْوالِ، وكانَ المُلْكُ إنَّما يُرادُ لِتَطْيِيبِ النَّفْسِ بِتَثْبِيتِ الأمْرِ. وكانَ فِيما يَشْهَدُ بِهِ إعْجازُ القُرْآنِ بِبَدِيعِ نَظْمِهِ وباهِرِ حِكَمِهِ وحُكْمِهِ [و] زاجِرِ غَرائِبِهِ ووافِرِ عِلْمِهِ ما يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وكانَ في كُلِّ آيَةٍ مِنهُ ما يُبَيِّنُ لِلْفَهْمِ سَفْسافَ قَدْحِهِمْ في الرِّسالَةِ، كانَ مَوْضِعَ الإنْكارِ لَهُ، فَكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: أيَقُولُونَ ذَلِكَ تَعَنُّتًا مِنهم واقْتِراحًا وإعْراضًا عَنْ مُعْجِزِ القُرْآنِ فَأعْرِضْ عَنْهُ فَإنَّهُ لا يَضُرُّ في وجْهِ الدَّلِيلِ ﴿أمْ يَقُولُونَ﴾ [أيْ مُكَرِّرِينَ] ﴿افْتَراهُ﴾ فَكانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ أنْ يُقالَ: نَعَمْ، إنَّهم لَيَقُولُونَ ذَلِكَ فَيَقْدَحُونَ في الدَّلِيلِ فَماذا يُقالُ لَهُمْ؟ فَقِيلَ: ﴿قُلْ﴾ أيْ: لَهم عَلى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ ﴿فَأْتُوا﴾ يا مَعاشِرَ العَرَبِ فَإنَّكم مِثْلِي في العَرَبِيَّةِ واللِّسانِ (p-٢٤٨)والمَوْلِدِ والزَّمَنِ وفِيكم مَن يَزِيدُ عَلِيَّ بِالكِتابَةِ والقِراءَةِ ومُخالَطَةِ العُلَماءِ والتَّعَلُّمِ مِنَ الحُكَماءِ ونَظْمِ الشِّعْرِ واصْطِناعِ الخُطَبِ [و] النَّثْرِ وتَكَلُّفِ الأمْثالِ وكُلِّ ما يُكْسِبُ الشَّرَفَ والفَخْرَ ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾ أيْ: قِطَعٍ، كُلُّ قِطْعَةٍ مِنها تُحِيطُ بِمَعْنًى تامٍّ يُسْتَدَلُّ فِيها عَلَيْهِ ﴿مِثْلِهِ﴾ أيْ: تَكُونُ العَشْرُ مِثْلَ جَمِيعِ القُرْآنِ في طُولِهِ وفي مِثْلِ احْتِوائِهِ عَلى أسالِيبِ البَلاغَةِ وأفانِينِ العُذُوبَةِ والمَتانَةِ والفُحُولَةِ والرَّشاقَةِ حالَ كَوْنِها ﴿مُفْتَرَياتٍ﴾ أيْ: أنَّكم قَدْ عَجَزْتُمْ عَنِ الإتْيانِ بِسُورَةٍ أيْ قِطْعَةٍ واحِدَةٍ آيَةٍ أوْ آياتٍ مِن مِثْلِهِ فِيما هو عَلَيْهِ مِنَ البَلاغَةِ والإخْبارِ بِالمُغَيَّباتِ والحِكَمِ والأحْكامِ والوَعْدِ والوَعِيدِ والأمْثالِ وادَّعَيْتُمْ مُكابَرَةً أنَّهُ مُفْتَرًى فارِغٌ عَنِ الحِكَمِ فَأْتُوا بِعَشْرٍ مِثْلِهِ في مُجَرَّدِ البَلاغَةِ غَيْرَ مُلْزَمِينَ بِحَقائِقِ المَعانِي وصِحَّةِ المَبانِي - ذَكَرَهُ البَغَوِيُّ عَنِ المُبَرِّدِ، وقَدْ مَضى في البَقَرَةِ عِنْدَ: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] عَنِ الجاحِظِ وغَيْرِهِ ما يُؤَيِّدُهُ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وشَأْنُ مَن يُرِيدُ تَعْجِيزَ شَخْصٍ أنْ يُطالِبَهُ أوَّلًا بِأنْ يَفْعَلَ أمْثالًا مِمّا يَفْعَلُ هُوَ، ثُمَّ إذا تَبَيَّنَ عَجْزُهُ قالَ: افْعَلْ مَثَلًا واحِدًا - انْتَهى. فَكَأنَّهم تُحُدُّوا أوَّلًا بِجَمِيعِ القُرْآنِ في مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤] أيْ: في التَّحَتُّمِ والتَّطْبِيقِ عَلى الوَقائِعِ وما يَحْدُثُ] ويَتَجَدَّدُ شَيْئًا في إثْرِ شَيْءٍ، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدَ عَجْزِهِمْ بِدَوامِ عَجْزِهِمْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ﴾ [الإسراء: ٨٨] - الآيَةَ. تَبْكِيتًا لَهم وإخْزاءً وبَعْثًا عَلى ذَلِكَ وإغْراءً، ثُمَّ تُحُدُّوا (p-٢٤٩)فِي سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسُورَةٍ واحِدَةٍ مِثْلَ جَمِيعِ القُرْآنِ غَيْرَ مُعْتَنِينَ فِيها بِالتَّفْصِيلِ إلى السُّوَرِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ واسْتِهانَةً بِأمْرِهِمْ، فَلَمّا عَجَزُوا [تُحُدُّوا بِعَشْرٍ مُفْتَراةٍ، ولَمّا خَفَّفَ عَنْهُمُ التَّقَيُّدَ بِصِدْقِ المَعْنى وحَقِيقَةِ المَبانِي، ألْزَمَهم بِما خَفَّفَهُ عَنْهم في يُونُسَ مِنَ التَّفْصِيلِ ولَمْ يُخْلِهِمْ مِنَ التَّخْفِيفِ إشارَةً إلى هَوانِ أمْرِهِمْ واحْتِقارِ شَأْنِهِمْ بِأنْ جَعَلَها إلى عَشْرٍ فَقَطْ، فَلَمّا عَجَزُوا] أُعِيدَ في المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لِأجْلِ أهْلِ الكِتابِ تَحَدِّيهِمْ بِسُورَةٍ، أيْ قِطْعَةٍ واحِدَةٍ مَقْرُونًا ذَلِكَ بِالإخْبارِ بِدَوامِ عَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى في البَقَرَةِ: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٤] - الآيَةَ. فالمُتَحَدّى بِهِ في كُلِّ سُورَةٍ غَيْرُ المُتَحَدّى بِهِ في الأُخْرى، وقَدْ مَضى في يُونُسَ والبَقَرَةِ ويَأْتِي في سُبْحانَ والطُّورِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ما يَتِمُّ بِهِ فَهْمُ هَذا المَقامِ، والبَلاغَةُ ثَلاثُ طَبَقاتٍ: فَأعْلاها مُعْجِزٌ، وأوْسَطُها وأدْناها مُمْكِنٌ، والتَّحَدِّي وقَعَ بِالعُلْيا، ولَيْسَ هَذا أمْرًا بِالِافْتِراءِ لِأنَّهُ تَحَدٍّ فَهو لِلتَّعْجِيزِ، وقَوْلُهُ: ﴿وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ أيْ: طَلَبْتُمْ أنْ يُطِيعَكم فَفَعَلَ، ولَمّا كانَتِ الرُّتَبُ كُلُّها تَحْتَ رُتْبَتِهِ تَعالى والعَرَبُ مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ، \ قالَ: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى. وأشارَ إلى عَجْزِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [وفِي ذَلِكَ] زِيادَةُ بَيانٍ وتَثْبِيتٍ لِلدَّلِيلِ، فَإنَّ كُلَّ ظَهِيرٍ مِن سِواهم دُونَهم في البَلاغَةِ، فَعَجْزُهم عَجْزٌ لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الأوْلى.
{"ayah":"أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِعَشۡرِ سُوَرࣲ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَیَـٰتࣲ وَٱدۡعُوا۟ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











